والقول الثالث: أنه يستحب في النصف الأخير من رمضان.
هذه ثلاث أقوال لأهل العلم هي روايات عن الإمام أحمد وقد حكى ابن تيمية هذه الأقوال عن الصحابة - رضي الله عنهم - واختار ابن تيمية التخيير بين الفعل والترك وقال:(حقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة فمن شاء فعله ومن شاء تركه)
والظاهر: أنه يستحب لكن استحبابه ينبغي ألا يكون على هيئة الدوام بل يفعله تارة ويتركه تارة أخرى، لأن القنوت قد ثبت من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تعليمه.
فقد ثبت في سنن النسائي بإسناد جيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان يقنت في الوتر قبل الركوع)
وثبت عند الخمسة، وفيه أن الحسن قال:(علمني النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر) وإسناده جيد.
وثبت عند الأربعة بإسناد صحيح عن علي قال:(كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في آخر وتره: " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)
فهذه الأحاديث تدل على مشرعية القنوت.
وإنما لم نقل باستحباب مداومته، لأن من نقل لنا قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل كعائشة وابن عباس وزيد بن خالد وغيرهم لم يحكوا لنا قنوته، وإنما حكاه علي والحسن، وأبي بن كعب فكون عائشة وابن عباس ومن روى ذلك من الصحابة لا يذكر القنوت مع حرصه على استقصاء صفة قيامه، طولاً وقصراً وما كان يقرأ فيها ونحو ذلك، يدل هذا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله إذ الهمم والدواعي متوفرة لنقله منهم فلما لم ينقلوه دل على أنهم لم يروه من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وحكاه من رآه كأبي بن كعب وعلي فدل على أنه كان يفعله برؤية هؤلاء ولم يكن يداوم عليه لعدم حكاية أولئك له.