والتصرف المطلق، من جميع الوجوه، وأنه لا يستحق العبادة والتأله أحد سواه.
فمن غلا بأحد من المخلوقين حتى جعل له نصيبا من هذه الأشياء، فقد ساوى به رب العالمين، وذلك أعظم الشرك.
ومن رفع أحدا من الصالحين فوق منزلته التي أنزله الله بها فقد غلا فيه، وذلك وسيلة إلى الشرك وترك الدين. والناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام:
أهل الجفاء الذين يهضمونهم حقوقهم، ولا يقومون بحقهم من الحب والموالاة لهم والتوقير والتبجيل.
وأهل الغلو الذين يرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله بها.
وأهل الحق الذين يحبونهم ويوالونهم، ويقومون بحقوقهم الحقيقية، ولكنهم يبرءون من الغلو فيهم، وادعاء عصمتهم، والصالحون أيضا يتبرءون من أن يدعوا لأنفسهم حقا من حقوق ربهم الخاصة، كما قال الله عن عيسى صلى الله عليه وسلم:{سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} ١.
واعلم أن الحقوق ثلاثة:
حق خاص لله لا يشاركه فيه مشارك، وهو التأله له وعبادته وحده لا شريك له، والرغبة والإنابة إليه حبا وخوفا ورجاء.
وحق خاص للرسل، وهو توقيرهم وتبجيلهم والقيام بحقوقهم الخاصة.
وحق مشترك وهو الإيمان بالله ورسله وطاعة الله ورسله ومحبة الله ومحبة رسله، ولكن هذه لله أصلا وللرسل تبعا لحق الله.
فأهل الحق يعرفون الفرقان بين هذه الحقوق الثلاثة، فيقومون بعبودية الله وإخلاص الدين له، ويقومون بحق رسله وأوليائه على اختلاف منازلهم ومراتبهم. والله أعلم.