ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الانسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت، فيوقف عليها، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصحها). قلت: وهذا هو الحق الذي تقضيه القواعد العلمية، أن الاية على عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إلى الوالد لانه من سعيه بخلاف غير الولد، لكن قد نقل النووي وغيره الاجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها، هكذا قالوا (الميت) فأطلقوه ولم يقيدوه بالوالد، فإن صح هذا الاجماع كان مخصصا للعمومات التي أشار إليها الشوكاني فيها يتعلق بالصدقة، ويظل ما عداها داخلا في العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات، ولكنني في شك كبير من صحة الاجماع المذكور، وذلك لامرين: الأول: أن الاجماع بالمعنى الاصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي علمت من الدين بالضرورة، كما حقق ذلك العلماء الفحول، كابن حزم في (أصول الاحكام) والشوكاني في (إرشاد الفحول) والاستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه (أصول الفقه) وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك الامام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من أدعى الاجماع - ورواها عنه أبنه عبد الله بن أحمد في (المسائل). الثاني: أنني سيرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الاجماع فيها، فوجدت الخلاف فيها معروفا! بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الاجماع فيها، ولو شئت أن اورد الامثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده. فحسبنا الان أن نذكر بمثال واحد، وهو نقل النووي الاجماع على أن صلاة الجنازة لا تكره في الاوقات المكروهة! مع أن الخلاف فيها قديم معروف، وأكثر أهل العلم على خلاف الاجماع المزعوم، كما سبق تحقيقه في المسألة (٨٧)، ويأتي لك مثال آخر قريب إن شاء الله تعالى. =