للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

رقبة، وأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، قال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، وإن هشاما أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه لو كان مسلما فأعتقتم أو تصدقتم عنه، أو ححجتم عنه بلغه ذلك، (وفي رواية): فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك). (١)

(أخرجه أبو داود في آخر (الوصايا) (٢/ ١٥) والبيهقي (٦/ ٢٧٩) والسياق له، وأحمد (رقم ٦٧٠٤) والرواية الاخرى له، وإسنادهم حسن.


(١) قال الشوكاني في (نيل الاوطار) (٤/ ٧٩): (وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصص بهذه الاحاديث عموم قوله تعالى (وأن ليس للانسان إلا ما سعى).
ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الانسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت، فيوقف عليها، حتى يأتي دليل يقتضي
تخصيصحها).
قلت: وهذا هو الحق الذي تقضيه القواعد العلمية، أن الاية على عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إلى الوالد لانه من سعيه بخلاف غير الولد، لكن قد نقل النووي وغيره الاجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها، هكذا قالوا (الميت) فأطلقوه ولم يقيدوه بالوالد، فإن صح هذا الاجماع كان مخصصا للعمومات التي أشار إليها الشوكاني فيها يتعلق بالصدقة، ويظل ما عداها داخلا في العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات، ولكنني في شك كبير من صحة الاجماع المذكور، وذلك لامرين: الأول: أن الاجماع بالمعنى الاصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي علمت من الدين بالضرورة، كما حقق ذلك العلماء الفحول، كابن حزم في (أصول الاحكام) والشوكاني في (إرشاد الفحول) والاستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه (أصول الفقه) وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك الامام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من أدعى الاجماع - ورواها عنه أبنه عبد الله بن أحمد في (المسائل).
الثاني: أنني سيرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الاجماع فيها، فوجدت الخلاف فيها معروفا! بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الاجماع فيها، ولو شئت أن اورد الامثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده. فحسبنا الان أن نذكر بمثال واحد، وهو نقل النووي الاجماع على أن صلاة الجنازة لا تكره في الاوقات المكروهة! مع أن الخلاف فيها قديم معروف، وأكثر أهل العلم على خلاف الاجماع المزعوم، كما سبق تحقيقه في المسألة (٨٧)، ويأتي لك مثال آخر قريب إن شاء الله تعالى. =