الثاني: أنه قياس مع الفارق إذا تذكرت إن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما سبق في حديث عائشة فليس هو كسبا لغيره، والله عز وجل يقول: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] ويقول {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦]. وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩]: (أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الاجر إلا ما كسب هو لنفسه. ومن هذه الاية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداه ثوابها إلى الموتى لانه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا ايماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الاقيسة والاراء) وقال العز بن عبد السلام في (الفتاوى) (٢٤/ ٢ - عام ١٦٩٢): (ومن فعل طاعة الله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي أو ميت، لم ينتقل ثوابها إليه، إذ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، فإن شرع في الطاعة ناويا أن يقع عن الميت لم يقع عنه، إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة والصوم والحج). وما ذكره ابن كثير عن الشافعي رحمه الله تعالى هو قول أكثر العلماء وجماعة من، الحنفية كما نقله الزبيدي في (شرح الاحياء) (١٠/ ٣٦٩). * الثالث: أن هذا القياس لو كان صحيحا، لكان من مقتضاء استحباب إهداء الثواب إلى الموتى ولو كان كذلك لفعله السلف، لانهم أحرس على الثواب منا بلا ريب، ولم يفعلوا ذلك كما سبق في كلام ابن كثير، فدل هذا على ان القياس المذكور غير صحيح، وهو المراد. وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (الاختيارات العلمية) (ص ٥٤): (ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا أو صاموا تطوعا أو حجوا تطوعا، أو قروؤا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل). وللشيخ رحمه الله تعالى قول آخر في المسألة، خالف فيه ما ذكره آنفا عن السلف، فذهب إلى أن الميت ينتفع بجميع العبادات من غيره!. وتبنى هذا القول وانتصر له ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (الروح) بما لا يهض من القياس الذي سبق بيان بطلانه قريبا، وذلك على خلاف ما عهدناه منه رحمه الله من ترك التوسع في =