فَإِنَّهُ سَاقَ مِنَ الْحَدِيثِ هُنَاكَ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى قَوْلِهِ: «وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي … ».
وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرَةِ اللهِ فِي شَرحِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْكُسُوفِ.
قَالَ ابنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْمُنَزِّهُونَ للهِ إِمَّا سَاكِتٌ عَنِ التَّأْوِيلِ، وَإِمَّا مُؤَوِّلٌ، وَالثَّانِي يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْغَيْرَةِ: الْمَنْعُ مِنَ الشَّيْءِ وَالْحِمَايَةُ، وَهُمَا مِنْ لَوَازِمِ الْغَيْرَةِ، فَأُطْلِقَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، كَالْمُلَازَمَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَوْجُهِ الشَّائِعَةِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ». [انتهى كلامه].
[قَالَ الإِمَامُ العَينِيُّ رحمه الله فِي «عُمدَةِ القَارِي» (٢٥/ ١٠٨)]: « … وَابنُ بَطَّالٍ غيَّرَ قَوْلَهُ: «لَا شَخْصَ» بِقَولِهِ: «لَا أَحَدَ»، وَعَلِيهِ شَرَحَ. وَقَالَ: اخْتلَفتْ أَلْفَاظُ هَذَا الحَدِيثِ فَلمْ يخْتَلِفْ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودِ أَنَّهُ بِلَفْظِ: «لَا أَحَدَ»؛ فَظَهرَ أَنَّ لفْظَ: «شَخْصَ» جَاءَ فِي مَوضِعٍ: «أَحَدَ»، فَكَانَ مِنْ تَصرُّفِ الرَّاوِي.
قُلتُ: اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الحَدِيثِ هُوَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ»، وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ: «مَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ»، وَفِي رِوَايَةِ أَسْمَاءَ: «لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ»، وَفِي رِوَايَةِ أبِي هُرَيْرَةَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَغَارُ»، كُلُّ ذَلِك مَضَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابَ الْغَيرَةِ، وَرِوَايَةُ ابْن مَسْعُودٍ مُبيِّنَةٌ أَنَّ لَفظَ: «الشَّخْص»، مَوْضُوعٌ مَوضِعَ: «أَحَدَ».
وَقَالَ الدَّاودِيُّ: فِي قَولِهِ: «لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ»: لمْ يَأْتِ مُتَّصِلًا وَلمْ تَتلَقَّ الْأمَّةُ مِثلَ هَذِه الْأَحَادِيثِ بِالْقبُولِ، وَهُوَ يُتَوقَّى فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تُلجِئُ الضَّرُورَةُ النَّاسَ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute