للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ الخطَّابِيُّ: إِطْلَاقُ الشَّخصِ فِي صِفَاتِ اللهِ غَيرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إِنَّمَا يَكُونُ جِسْمًا مُؤلَّفًا، وَخَليقٌ أَنَّ لَا تَكُونَ هَذِه اللَّفْظَةُ صَحِيحَةً، وَأَنْ تَكُونَ تَصْحِيفًا منَ الرَّاوِي، وَكَثِيرٌ منَ الرُّوَاةِ يُحدِّثُ بِالْمَعْنَى، وَلَيْسَ كُلُّهم فُقَهَاءَ، وَفِي كَلَامِ آحَادِ الرُّوَاةِ جَفَاءٌ وتَعجْرُفٌ، وَقَالَ بَعضُ كِبارِ التَّابِعينَ: «نِعمَ الْمَرْءُ رَبُّنَا، لَوْ أَطَعْناهُ مَا عَصَانَا» وَلَفظُ «الْمَرْءِ» إِنَّمَا يُطلَقُ عَلَى الذُّكُورِ منَ الْآدَمِيّينَ، فَأرْسلَ الْكَلَامَ وَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ لَفظُ «الشَّخْصِ» جَرَى عَلَى هَذَا السَّبِيلِ فَاعْتَورَهُ الْفسادُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحدُهَا: أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَثبُتُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ السَّمعِ.

وَالثَّانِي: إِجْمَاعُ الْأمَّة عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا مُؤلَّفًا فَلَا يُطلَقُ عَلَى اللهِ، وَقدْ مَنعَتِ الْجَهمِيَّةُ إِطْلَاقَ الشَّخْصِ مَعَ قَوْلِهمْ بِالجِسمِ، فَدلَّ ذَلِك عَلَى مَا قُلْنَاهُ منَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنعِهِ فِي صِفتِهِ عز وجل». [انتهى كلامه].

[قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ فِي «فَتْحِ البَارِي» (١٣/ ٣٩٩)]: «قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ شَخْصٌ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيفَ لَمْ يَرِدْ بِهِ، وَقَدْ مَنَعَتْ مِنْهُ الْمُجَسِّمَةُ مَعَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ.

كَذَا قَالَ، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ خِلَافُ مَا قَالَ.

وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: «لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ» إِثْبَاتُ أَنَّ اللهَ شَخْصٌ، بَلْ هُوَ كَمَا جَاءَ: مَا خَلَقَ اللهُ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتٌ أَنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مَخْلُوقَةٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَعْظَمُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهُوَ كَمَا يَقُولُ مَنْ يَصِفُ امْرَأَةً كَامِلَةَ الْفَضْلِ حَسَنَةَ الْخَلْقِ: مَا فِي النَّاسِ رَجُلٌ يُشْبِهُهَا،

<<  <   >  >>