يُرِيدُ تَفْضِيلَهَا عَلَى الرِّجَالِ لَا أَنَّهَا رَجُلٌ.
وَقَالَ ابن بَطَّالٍ: اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ بِلَفْظِ: «لَا أَحَدَ»، فَظَهَرَ أَنَّ لَفْظَ «شَخْصَ» جَاءَ مَوْضِعَ «أَحَدَ»، فَكَأَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرَّاوِي …
ثُمَّ قَالَ: … عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَاب الْمُسْتَثْنى مِنْ غَيرِ جِنْسِهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [النجم: ٢٨] وَلَيْسَ الظَّنُّ مِنْ نَوْعِ الْعِلْمِ.
قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَدْ قَرَّرَهُ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَمِنْهُ أَخَذهُ ابْنُ بَطَّالٍ، فَقَالَ بَعدَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّمْثِيلِ بِقَوْلِهِ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}: فَالتَّقْدِيرُ أَنَّ الْأَشْخَاصَ الْمَوْصُوفَةَ بِالْغَيْرَةِ لَا تَبْلُغُ غَيْرَتُهَا وَإِنْ تَنَاهَتْ غَيْرَةَ اللهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَخْصًا بِوَجْهٍ.
وَأَمَّا الْخَطَّابِيُّ: فَبَنَى عَلَى أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ هَذَا الْوَصْفِ لِلهِ تَعَالَى؛ فَبَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ وَتَخْطِئَةِ الرَّاوِي، فَقَالَ: إِطْلَاقُ الشَّخْصِ فِي صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى غَيرُ جَائِزٍ؛ لِأنَّ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا مُؤَلَّفًا؛ فَخَلِيقٌ أَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَحِيحَةً، وَأَنْ تَكُونَ تَصْحِيفًا مِنَ الرَّاوِي.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ «شَيْءَ»، وَالشَّيْءُ وَالشَّخْصُ فِي الْوَزْنِ سَوَاءٌ، فَمَنْ لَمْ يُمْعِنْ فِي الِاسْتِمَاعِ لَمْ يَأْمَنِ الْوَهْمَ، وَلَيْسَ كُلٌّ مِنَ الرُّوَاةِ يُرَاعِي لَفْظَ الْحَدِيثِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّاهُ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُحَدِّثُ بِالْمَعْنَى، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ فَهِمًا، بَلْ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ جَفَاءٌ وَتَعَجْرُفٌ، فَلَعَلَّ لَفْظَ: «شَخْص» جَرَى عَلَى هَذَا السَّبِيلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ غَلَطًا مِنْ قَبِيلِ التَّصْحِيفِ - يَعْنِي السَّمْعِيَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute