للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذَلكَ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (٥٦)} [القصص: ٥٦] وهو القَائِلُ في شِعرِهِ:

لَولَا المَلَامَةُ أو حِذِار مَسبَّةٍ … لَوجَدتَنِي سَمْحًا بِذَاك مُبِينًا

تَركَ الإِسلَامَ لِئَلَّا يُقَالَ له: إنَّ أَشيَاخَهُ ضَالُّونَ، لِيسَيرِ على دِينِ أَشيَاخِهُ {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)} [الزخرف: ٢٣].

وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ … تَجَرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ

لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ … مِنَ الدَّهْرِ جِدًّا غَيْرَ قَوْلِ التَّهَازُلِ (١)

المَقْصُودُ: أَنَّه على بَصِيرةٍ، على عِلمٍ، ولكنه تَركَ ذَلكَ مُتَابَعَةً لِأسْلَافِهِ وأَشيَاخِهِ؛ فَصَارَ إلى النَّارِ -والعِياذُ بِاللهِ- مع كَونِهِ نَاصَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وحَمَاهُ، وبَذَلَ جُهْدًا كَبِيرًا في حِمَايَتهِ مِنْ أَذَى قَومِهِ، ولَكنَّه لم يَكتُبِ اللهُ له السَّعَادَةَ.

وأَخبَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه رَآهُ في جَمرَاتٍ مِنَ النَّارِ؛ فَشَفَعَ إلى رَبِّهِ فصَارَ في ضَحضَاحٍ منَ النَّارِ يَغلِي منها دِمَاغُهُ (٢)، نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.

٢ - أما الإِرَادَةُ الشَّرعِيَّةُ: فهي بِمَعنَى الْمَحبَّةِ وبِمَعنَى الرِّضَا، قد يَقَعُ مُرَادُها وقد لا يَقَعُ مُرَادُهَا، اللهُ أَرَادَ مِنَ العِبَادِ أن يَعبُدُوهُ وأن يُطِيعُوهُ، فمنهم مَنْ امْتَثَلَ وَوَحَّدَ اللهَ وأَطَاعَ أَمرَهُ -وهم الأَقَلُّ- وَمِنهُم من عَصَى وكَفرَ -وهمُ الأَكثَرُونَ-.

هَذِه الإِرَادَةُ يُقَالُ لها: إِرَادَةٌ شَرعِيَّةٌ بِمَعنَى المَحَبَّةِ وبِمَعنَى الرِّضَا، أَرَادَ أن يُؤِمِنُوا، أي: أَحَبَّ مِنْهُم ذَلكَ ورَضِيَ مِنْهُم ذَلكَ، ولكنَّ الأَكثَرِينَ لمْ يَفعَلُوا.


(١) انظر «البداية النهاية» لابن كثير، ط هجر (٤/ ١٤٢).
(٢) رواه البخاري (٣٨٨٥).

<<  <   >  >>