للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّصَارَى ولكن لا نَستَطِيعُ أن نَحكِيَ كَلَامَ الجَهمِيَّةِ» (١). يَعْنِي: لِشنَاعَتِهِ وخُبثِهِ.

المَقْصُودُ: أنَّ هَذِه الأَدِلَّةَ والأَحَادِيثَ كُلَّها وَاضِحَةٌ في إِثبَاتِ الصِّفَاتِ للهِ وإِثبَاتِ الكَلَامِ، وَأنَّه قَالَ ويَقُولُ وتَكَلَّمَ ويَتَكَلَّمُ إذا شَاءَ سبحانه وتعالى.

وهَذَا من أَعظِمِ الصِّفَاتِ، ومِن أَعظَمِ الكَمَالِ، كَونُهُ يُوصَفُ بِأنَّه قَالَ وَيقُولُ جل وعلا ويَتَكَلَّمُ، وَأنَّه أَنزلَ الكُتُبَ على الأَنبِيَاءِ، وتَكَلَّمَ سُبحَانَهُ بِالقُرآنِ، كُلُّ هَذَا مِنْ أَعظَمِ الدَّلَائِلِ على اسْتِحقَاقِهِ العِبَادةَ، وَأنَّه رُبُّ العَالَمِينَ، وأنهُ الخَلَّاقُ العَلِيمُ، وَأنَّه الذي يَقُولُ للشَّيءِ كُنْ فَيكُونُ سبحانه وتعالى، وليسَ عَدَمُ الكَلَامِ صِفَةَ كَمَالٍ، ولكنَّها صِفَةُ نَقصٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الجَمَادِ.

والحَاصِلُ: أنَّ ما جَاءَتْ به هَذِه الأَدِلَّةُ هو مَحضُ ما تَقتَضِيهِ العُقُولُ السَّلِيمَةُ، العُقُولُ الصَّحِيحَةُ والفِطَرُ السَّلِيمَةُ مِنْ إِثبَاتِ صِفَةِ الكَلَامِ للهِ أَنَّه قالَ ويَقُولُ جل وعلا، ويَتَكَلَّمُ فيما مَضَى، ويَتَكَلَّمُ فيما يَأتِي سبحانه وتعالى على الوَجهِ اللَّائِقِ به سبحانه وتعالى، لا يُشَابِهُهُ خَلقُهُ في شَيءٍ مِنْ صِفَاتِهِ، لا في الكَلَامِ ولا في غَيرِهِ.

ولِهذَا يَقُولُ يَومَ القِيَامةِ لآدَمَ عليه السلام: «أَخرِجْ بَعثَ النَّارِ» (٢). هَذَا كَلَامٌ غَيرُ الكَلَامِ السَّابِقِ، ويَقُولُ لِأهلِ الجَنَّةِ: «هل رَضِيتُم؟ يَقُولُونَ: يا رَبَّنَا مَا لنَا لا نَرضَى وقد أَعطَيتَنَا ما لَمْ تُعطِ أَحَدًا مِنْ خَلقِكَ؟! أَلم تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟! أَلَمْ تُثقِّلْ مَوازِينَنَا؟! ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ؟! ألَمْ تُنجِّنَا منَ النَّارِ؟!» (٣). وهَكَذَا يَقُولُ


(١) رواه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص ٣٠).
(٢) رواه البخاري (٣٣٤٨)، ومسلم (٢٢٢) (٣٧٩).
(٣) رواه البخاري (٦٥٤٩)، ومسلم (٩) (٢٨٢٩)، دون قوله: «ألم تبيض وجوهنا … » إلخ.

<<  <   >  >>