حَتَّى يُلْجِمَهُمُ العَرقُ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ، فَيمُوجُ بَعضُهُم في بِعْضٍ حِينئذٍ ويَنظُرُونَ ماذا يَفعَلُونَ؛ فَيفزَعُ المُؤمِنُونَ إلى آدَمَ عليه الصلاة والسلام ويَقُولُونَ: أَنت أَبُو البَشرِ، خَلقَكَ اللهُ بِيدِهِ، وأَسْجدَ لك مَلَائِكَتَهُ، وعَلَّمَكَ أَسمَاءَ كُلِّ شَيءٍ؛ ألا تَرَى ما نَحنُ فيه؟! ألا تَرَى ما قد بَلَغَنَا؟! فاشْفَعْ لنا إلى ربك؛ فَيَقُولُ: لست هُنَاكُم -ويَذكُرُ خَطِيئَتَهُ وهي أَكلُهُ مِنْ الشَّجرَةِ- نَفسِي نَفسِي نَفسِي، ثم يُحِيلُهُم إلى نَوحٍ عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ إلى أَهْلِ الأَرضِ بَعدَمَا وَقَعَ فيهَا الشِّركُ.
فَيَأتُونَ نُوحًا عليه السلام ويَقُولُونَ: أنت أَوَّلُ رَسُولٍ أَرسَلَهُ اللهُ إلى أَهْلِ الأَرضِ، قد سَمَّاكَ اللهُ عَبدًا شَكُورًا؛ أَلَا تَرَى مَا نَحنُ فِيهِ؟! ألا ترى ما قد بَلغنَا؟! اشفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، فَيقُولُ: لسْتُ هُنَاكُم-ويَذكُرُ سَؤَالَهُ الذي سَألَهُ رَبَّه فَعَاتَبَه اللهُ عَليهِ فيهِ، وهو قَولُه في سُؤَالِهِ لابْنِه:{إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}[هود: ٤٥]- اذْهَبُوا إلى غَيرِي، اذْهَبُوا إلى إِبرَاهِيمَ.
فَيأتُونَ إِبرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام، فيَقُولُونَ له: أنتَ خَلِيلُ اللهِ؛ اشْفعْ لنا إلى رِبِّكَ. فَيقُولُ: لسْتُ هُنَاكُم، ويَذكُرُ كَذَبَاتِهِ التي كَذَبَهَا، وهي ثَلَاثٌ، كُلُّهَا في ذَاتِ اللهِ.
ثم يُحِيلُهُم إلى مُوسَى عليه السلام، كَلِيمِ الرَّحمنِ؛ فَيأتُونَ مُوسَى، ويَقُولُ: لَستُ هُنَاكُمْ -ويَذكُرُ قَتلَهُ النَّفسَ التي قَتَلَهَا ولم يُؤذَنْ له في قَتلِهَا- اذْهَبُوا إلى عَيسَى»؛ فَيأتُونَ إلى عِيسَى عليه السلام، فَيعتَذِرُ ويَقُولُ: لَستُ هُنَاكُمْ. وفي بِعْضِ الرِّوَايَاتِ: كُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ: «إنَّ رَبِّي قد غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا لم يَغضَبْ قَبلَهُ مِثلَهُ، ولم يَغضَب بَعدَهُ مِثلَهُ»، وكُلُّ وَاحِدٍ يقُولُ:«نَفسِي نَفسِي نَفسِي»، ثم يُحيلُهم عِيسى عليه الصلاة والسلام إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَبدٍ غَفرَ اللهُ له ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ وما تَأَخَّرَ، عليه الصلاة والسلام.