يَشكُروهُ، ويُعظِّمُوهُ ويُنادُوهُ، ويُسبِّحوهُ ويَسْتغفِرُوهُ، ويُخبِرُ عِبادَهُ أنَّهُ يَراهُم حَتَّى يَسْتحيُوا مِنْ عَظمَتِهِ، وَحتَّى يَخْشوْهُ، وَحتَّى يُراقِبُوهُ. فمَا الفَائدَةُ مِنْ أَسْماءٍ جَامِدةٍ لَا مَعانِيَ لهَا؟!
ثمَّ ذَكرَ خَبرَ أبِي مُوسَى رضي الله عنه لمَّا كَانُوا يَرْفعُونَ أَصْوَاتَهُم بِالتَّكبِيرِ، كَانُوا إِذَا عَلَوْا فِي المَشْيِ وَالمَحَلِّ المُرتَفعِ كَبَّرُوا ورَفعُوا أَصْوَاتَهم، وإنْ نَزلُوا بُطونَ الأَودِيةِ سبَّحُوا؛ فَقالَ لهُم صلى الله عليه وسلم: «أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ». يَعنِي: هوِّنُوا، لَا تَرفَعُوا كَثِيرًا، لَا تَشدِّدُوا فِي الرَّفعِ؛ «فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، وَإِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا، أَقْرَبَ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ». فهُوَ سُبْحانَهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ - وَإنْ كَانَ فَوقَ العَرْشِ فَوقَ جَميعِ الخَلقِ - فهُوَ قَرِيبٌ؛ لِأنَّهُ لَا يُشبِهُ العِبَادَ، وَلَا يُشبِهُ المَخْلوقِينَ حَتَّى يُقَاسَ عَليْهِم؛ وَلِهذَا يَقُولُ سُبْحانَهُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦].
فهُوَ معَ عُلوِّهِ وفَوْقيَّتهِ وَارْتِفاعِهِ عَلَى عَرشِهِ، فهُوَ قَرِيبٌ مِنْ عِبادِهِ، يَسمَعُ كَلامَهُم، وَيسمَعُ دُعاءَهُم، ويَرَى مَكانَهُم.
وَهكَذَا قَولُهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (١). لِأنَّ السُّجُودَ حَالَةُ خُضُوعٍ وذُلٍّ، ذُلٌّ للهِ سبحانه وتعالى، فَكانَ صَاحِبُ هذِهِ العِبادَةِ أَقْربَ مَا يَكُونُ إِلَى رَحمَةِ ربِّهِ وإِحْسانِهِ إِليْهِ وَسمَاعهِ دُعاءَهُ، كلَّما كَانَ العَبدُ أَذلَّ للهِ، وَأخْشَى للهِ؛ صَارَ أَقْربَ إِلَى رَحْمتهِ وَسَماعِ دَعْوتهِ؛ وَلِهذَا يَقُولُ السَّلفُ: إنَّ أَحسَنَ بَابٍ يُدخَلُ
(١) رواه مسلم (٤٨٢)، (٢١٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute