للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

منْهُ عَلَى اللهِ بَابُ الذُّلِّ وَالانْكِسارِ وَالخُضوعِ للهِ، وَالتَّواضُعِ وَعَدمِ التَّكبُّرِ؛ فَالعَبدُ يَتقرَّبُ إِلَى ربِّهِ بأنَّهُ ذَليلٌ ضَعِيفٌ فَقيرٌ إِلَى ربِّهِ سبحانه وتعالى، وَمُنكسِرٌ إِليْهِ جل وعلا.

وفِي هَذَا شَرعيَّةُ الرِّفقِ فِي الأَصْواتِ فِي الذِّكرِ، وَأنَّ السُّنةَ عَدمُ الرَّفعِ الزَّائدِ الَّذِي قدْ يُشعِرُ بِشيْءٍ مِنْ سُوءِ الأَدبِ؛ وَلِهذَا قَالَ: «أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ». إلَّا مَا شَرعَ اللهُ فِيهِ الرَّفعَ، كَالتَّلبِيةِ وَالأَذانِ وَالإِقَامةِ وَالخُطبِ. هذِهِ أَذكَارٌ مَشْروعٌ رَفعُ الصَّوتِ بِهَا.

وَأمَّا الأَذْكارُ العَاديَّةُ فَينْبغِي فِيهَا الرِّفقُ وَعدمُ الرَّفعِ الكَثِيرِ، كَمَا قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لِلصَّحابَةِ رضي الله عنهم، فَالسُّنةُ الرَّفعُ لِلصَّوتِ عِنْدَ المَحلَّاتِ المُرْتَفِعَةِ، إِذَا عَلَا الرُّكْبَانُ فِي الأَسْفَارِ، أوِ المُشَاةُ إِذَا عَلَوْا المَحلَّاتِ المُرتَفِعةَ كبَّرُوا، هَذَا السُّنَّةُ.

«اللهُ أَكبَرُ» يَعنِي: اللهُ أَكبَرُ مِنْ هذِهِ الأَشْياءِ المُرتَفعَةِ مِنْ جَبلٍ، أوْ دَكدْكٍ، أوْ غَيرِ ذلِكَ مِنْ أَنْواعِ الأَرضِ المُرتَفعَةِ، فإِذَا نَزلُوا الأَودِيةَ وَالمُنْخفَضاتِ سبَّحُوا تَنْزيهًا للهِ عَنِ السُّفُولِ، وَعنْ كلِّ مَا لَا يَليقُ بِهِ سبحانه وتعالى، فهُوَ عَلِيٌّ رَفيعٌ فَوقَ خَلقِهِ؛ وَلِهذَا يُكبَّرُ عِنْدَ صُعُودِ المَحلَّاتِ المُرتَفعَةِ؛ إِشارَةٌ إِلَى أنَّ اللهَ أَكبَرُ مِنْ هذِهِ الأَشْياءِ، وأَعَظمَ مِنْها، ويُسبَّحُ عِنْدَ المُنخَفضَاتِ مِنْ الأَودِيةِ وَنَحوِها؛ إِشارَةٌ إِلَى أنَّ اللهَ فَوقَ الخَلقِ، رَفيعٌ فَوقَ خَلقِهِ، عَالٍ فَوقَ خَلقِهِ سبحانه وتعالى.

وَلمَّا سمِعَ عبدَ اللهِ رضي الله عنه يقُولُ: «لَا حَولَ وَلَا قوَّةَ إلَّا بِاللهِ» - وهُوَ أبُو مُوسَى الأشْعرِيُّ، اسمُهُ عَبدُ اللهِ بنُ قَيسٍ رضي الله عنه - قَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ».

<<  <   >  >>