للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذِهِ مَزايَا لآدَمَ أَبِينَا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَإِذَا أَتَاهُ النَّاسُ يَطلُبونَ مِنهُ الشَّفاعَةَ إِلَى اللهِ حَتَّى يُرِيحَ النَّاسَ مِنْ كَربِ هَذَا المَوقِفِ العَظِيمِ؛ قَالَ: «لَسْتُ هُنَاكُمْ» يَعنِي: لَستُ صِاحِبَ هَذَا المَقَامِ، هَذَا لَهُ غَيْرِي، ويَذكُرُ خَطِيئَتَهُ، وهيَ أنَّهُ أَكلَ منَ الشَّجَرةِ، معَ أنَّهُ تَابَ اللهُ عَليْهِ، لكِنْ مِنْ شدَّةِ مَا وَقعَ فِي نَفسِهِ مِنْها يَذكُرُها، قَالَ اللهُ عز وجل: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)} [طه: ١٢١، ١٢٢]، {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)} [البقرة: ٣٧].

وَالتَّائِبُ لَا خَوْفَ عَليْهِ، ولكِنْ مِنْ شِدَّةِ مَا وقع فِي نَفسِهِ مِنْ هَذَا الأَمْرِ يَذكُرُها، ولكِنِ اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، أوَّلِ رَسُولٍ أرْسلَهُ اللهُ إِلَى أهْلِ الأَرضِ، وأوَّلِ الرُّسلِ، أرْسَلَهُ اللهُ لمَّا وَقعَ الشِّركُ فِي بَنِي آدَمَ، أَرسَلَ اللهُ نُوحًا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؛ لِيُنذِرهُم وَيُحذِّرَهُم مِنَ الشِّركِ بِاللهِ.

وَكَانَ ذلِكَ بِأسْبابِ ودٍّ وسُوَاعٍ ويَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرٍ، كَانَ شِركُهُم أَسْبَابُهُ الغُلُوُّ فِي الصَّالِحينَ، غَلَوْا فِي الصَّالِحينَ كَمَا غَلَا النَّاسُ اليَومَ، وَكمَا غَلَا النَّاسُ قَبلَ ذلِكَ فِي العُهُودِ السَّابِقةِ قَبلَ نَبيِّنا صلى الله عليه وسلم فِي عهِدِ بنِي إِسْرَائِيلَ، غَلَوْا فِي الأَنْبيَاءِ، وغَلَوْا فِي الصَّالِحينَ، وعَبدُوهُم وعَظَّمُوهُم وَاسْتغَاثُوا بِهِمْ ونَذَرُوا لَهُمْ وبَنَوْا عَلَى قُبُورِهمُ المَسَاجِدَ وَالقِبَابَ.

كُلُّ هَذَا وَقعَ فِي الأُمَمِ، وأَصلُهُ مَا وَقعَ فِي قَومِ نُوحٍ عليه السلام، كَمَا قَالَ اللهُ جَلَّ وعَلَا: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣)} [نوح: ٢٣] هَؤُلاءِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَومِ نُوحٍ عليه السلام، مَاتُوا فِي زَمنٍ مُتقَارِبٍ، فأَسِفَ عَليْهِم قَومُهُم، وَاْشْتدَّ عَليِهِم الحُزنُ، فَجاءَهُم الشَّيطَانُ وقَالَ: صَوِّرُوا

<<  <   >  >>