للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

صُورَهُم وَانْصِبُوهَا فِي مَجالِسِهم، تَذْكُرُوا بِذلِكَ أعَمْالَهُم حَتَّى تَسِيرُوا عَلَى نَهْجِهِم فِي العَمَلِ الصَّالِحِ.

دَسَّ عَليْهِم هَذَا الخَبِيثُ هذِهِ الدِّسِّيسَةِ بِاسْمِ العِبادَةِ وَالصَّلاحِ وَالخَيرِ، فغَرَّهُمُ الغرُورَ حَتَّى صَوَّرُوهُم ونَصبُوهُم فِي مَجالِسِهم، ثمَّ طَالَ الأَمدُ، فَعبَدُوهُم مِنْ دُونِ اللهِ عز وجل، وجَاءَ قَومٌ لمْ يَعْرفُوا الحَقَائِقَ الَّتِي مِنْ أَجْلِها صُوِّرُوا؛ فَعَبدُوهُم مِنْ دُونِ اللهِ، ثمَّ انْتَشرَ هَذَا الشِّرْكُ فِي النَّاسِ إِلَى يَومِنَا هَذَا، ولَمْ يَزَلْ يَكثُرُ فِي النَّاسِ ويَعظُمُ حَتَّى غَلبَ عَلَى الخَلقِ، إلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ.

فَيأْتُونَ إِبْراهِيمَ عليه السلام يَطلُبونَ مِنهُ الشَّفاعَةَ فيَعْتذِرُ، ويَذكُرُ أَشْياءَ يَحتَجُّ بِهَا أنَّهُ لَيسَ أهْلًا لِهذَا المَقَامِ، فِي الرِّوايَةِ الأُخْرَى: «كَذَبَاتُهُ الَّتِي كَذَبَهَا»، وكُلُّها فِي سَبِيلِ اللهِ، وكُلُّها فِي ذَاتِ اللهِ، حَيثُ قَالَ: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا (٦٣)} [الأنبياء: ٦٣] لمَّا كَسَّرَ الأَصْنامَ، وَحَيثُ قَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)} [الصافات: ٨٩] أَرَادَ أنْ يَرجِعَ لِيَكسِرَ أَصْنامَهُم، وَحَيثُ قَالَ فِي زَوجَتهِ: إنَّهَا أُختِي، وهُوَ أَرادَ أُختَهُ فِي اللهِ، لكِنَّ النَّاسَ إِذَا سَمِعُوا هَذَا الكَلَامَ يَظنُّونَها أُختَهُ فِي النَّسبِ، وقَالَهُ خَوفًا عَليْهَا مِنَ الجَبَّارِ، كلُّهَا فِي ذَاتِ اللهِ، لكِنْ لِعِظمِ خَوفِ الأَنْبِياءِ مِنَ اللهِ وتَعْظيمِهِم لَهُ سُبْحانَهُ وتَعَالَى وفَرَقِهِم مِنهُ جَلَّ وعَلَا -جَعلَ هذِهِ الكَذَبَاتِ عُذْرًا فِي أنَّهُ لَا يَتقدَّمُ لِلشَّفاعَةِ.

ثمَّ أَوْصاهُمْ وَنَصحَهُم بِأنْ يَذهَبُوا إِلَى مُوسَى كَلِيمِ اللهِ، مُوسَى بنِ عِمْرانَ عليه السلام، فأَتَوهُ أيْضًا، أَتَاهُ النَّاسُ فِي هَذَا الكَربِ العَظِيمِ يَسْألُونَهُ أنْ يَشفَعَ، فَاعْتَذرَ أيْضًا مُوسَى عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وذَكَرَ قَتْلهُ لِلنَّفسِ الَّتِي قَتَلهَا وَلمْ يُؤمَرْ بِقَتْلها، ثمَّ أَرْشدَهُم إِلَى أنْ يَأتُوا عِيسَى عليه السلام عَبدَ اللهِ ورَسُولَهُ وكَلِمَتَهُ.

<<  <   >  >>