للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأَتَوْا عِيسَى عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -وهُوَ عِيسَى ابنُ مَرْيمَ- فَاعْتذَرَ أيْضًا قَالَ: «لَسْتُ هُنَاكُمْ»؛ فلَمْ يَذكُرْ خَطِيئةً وَلمْ يَتَعَذَّرْ بِعُذرٍ، بلْ قَالَ: «لَسْتُ هُنَاكُمْ»، وأَوْصَاهُم بِأنْ يَذهَبُوا إِلَى محمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، قَالَ: «عَبْدٌ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

وبِهَذَا وَبِغيْرِه منَ الأَدِلَّةِ عَرفَ أهْلُ العِلْمِ أنَّهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ هُوَ أفْضَلُ الرُّسُلِ، وهُوَ مُقدَّمُهُم، وهُوَ خَطِيبُهم إِذَا اجْتَمعُوا، وَإِمامُهُم عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَتَقدَّمَ لِلشَّفاعَةِ، ولَمْ يَشْفعْ أوَّلًا، بِلْ سَجَدَ، أَتَى ربَّهُ، فلَمَّا رَآهُ خَرَّ سَاجِدًا للهِ، وفَتحَ اللهُ عَليْهِ بِمَحامِدَ عَظِيمةٍ علَّمَهُ إيَّاهَا سُبْحانَهُ وتَعَالَى، فَأثْنَى عَليْهِ جَلَّ وعَلَا وَحَمِدهُ كَثِيرًا، فقِيلَ لَهُ: «ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ»؛ فَرَفعَ رَأسَهُ وَطلَبَ الشَّفاعَةَ.

فِي هَذَا بَيانُ الشَّفاعَةِ فِي أَهْلِ النَّارِ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ، وفِي ضِمنِهَا فِي بَعضِ الطُّرُقِ: الشَّفاعَةُ أنْ يُقضَى بَينَ العِبادِ، وهُوَ المَقْصُودُ، لكِنْ لمْ يُذكَرْ هُنَا، المَقْصودُ: الشَّفاعَةُ فِي أنْ يُقضَى بَينَ العِبَادِ، فَالمَعنَى: أنَّهُ شَفَعَ لِأنْ يُقضَى بَينَهُم، ثمَّ شَفعَ فِيمَنْ دَخلَ النَّارَ مِنْ أُمَّتهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

فقَضَى اللهُ بَينَ العِبَادِ بِحُكمِهِ العَدلِ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، فَانْصرَفَ النَّاسُ مِنْ مَحْشرِهِم إِلَى الجنَّةِ وَالنَّارِ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)} [الشورى: ٧]، وشَفَعَ فِي أُنَاسٍ دَخَلُوا النَّارَ مِنْ أُمَّتهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بِمعَاصِيهِم، وَأخْبرَ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ: «لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ، مِثْقَالُ بُرَّةٍ،

<<  <   >  >>