للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِثْقَالُ ذَرَّةٍ»، فِي الرِّوايَةِ الأُخرَى: «مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» (١).

يَعنِي: مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ تَوْحيدٌ وَإِيمَانٌ لَا يُخلَّدُ فِي النَّارِ، وَإنَّمَا يُخلَّدُ فِيهَا الكُفَّارُ الخُلَّصُ الَّذينَ لَيسَ عِنْدهُم تَوحِيدٌ وَلَا إِسْلَامٌ، كُلُّهُم مُخلَّدُونَ فِيهَا أَبدَ الآبَادِ.

وَأمَّا أَهْلُ التَّوحِيدِ، وَإنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مَعَاصٍ وسَيِّئاتٌ، فَإنَّهُم لَا يُخلَّدونَ إِذَا دَخلُوهَا، بلْ لَهُمْ نِهَايَةٌ، لهُم نِهَايةٌ يَنْتهُونَ إِليْهَا عَلَى قَدرِ خَطَايَاهُم: مِنْهُم مَنْ تَطُولُ مُدَّتهُ فِي النَّارِ، وَمِنهُم مَنْ لَا تَطُولُ مُدَّتهُ، عَلَى حَسبِ مَعاصِيهِم الَّتِي دَخَلُوا بِهَا النَّارَ.

وَما وَردَ فِي بَعضِ العُصَاةِ مِنَ الخُلُودِ فهُوَ خُلُودٌ مُؤقَّتٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الفُرقَانِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)} [الفرقان: ٦٨، ٦٩] ذَكَرَ الخُلُودَ وهُوَ خُلُودٌ دَائِمٌ فِي حقِّ المُشْرِكِينَ، وخُلُودٌ مُؤقَّتٌ فِي حَقِّ الزُّنَاةِ وَالقَتَلةِ الَّذينَ لمْ يَستَحِلُّوا ذلِكَ، بلْ فَعَلُوا ذلِكَ عَلَى سَبِيلِ المَعصِيَةِ، وهُمْ يَعرِفُونَ حُرمَةَ ذلِكَ.

وَهكَذَا مَا جَاءَ منَ الخُلُودِ فِي أهْلِ الرِّبَا، فِي قَاتِلِ نَفسِهِ، كلُّهُ خُلُودٌ مُؤقَّتٌ فِي حقِّ مَنْ لَيسَ بِكَافرٍ، وَالخُلُودُ عِنْدَ العَربِ خُلُودَانِ: خُلُودٌ لَا يَنْتهِي، وهَذَا خُلُودُ الكُفَّارِ، وخُلُودٌ لَهُ نِهَايةٌ وهُوَ خُلُودُ بَعضِ العُصَاةِ؛ لِأنَّ الإِقَامَةَ الطَّوِيلَةَ تُسَمَّى خُلُودًا عِنْدَ العَرَبِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ (٢):


(١) رواه البخاري (٢٢)، ومسلم (٣٠٤) (١٨٤).
(٢) وهو مالك بن نويرة، الشاعر الجاهلي المعروف وكان قد أدرك الإسلام وأسلم، وهو من قصيدته التي يصف فيها يوم «مخطط»، وهو يوم في الجاهلية كان لبني يربوع على بكر بن وائل. وتمام البيت:
يُهِلُّونَ عُمَّارًا إذَا مَا تَغَوَّرُوا … وَلاقَوْا قُرَيْشًا خبَّرُوهَا فأنْجَدُوا
بأبناءِ حيٍّ مِنْ قبائِلِ مالِكٍ … وعمرِو بنِ يَرْبُوعٍ أقامُوا فأخلَدُوا
انظر: «الأصمعيات» (١/ ١٠).

<<  <   >  >>