للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسرع الناس في الشعر خاطرًا، إلا أنه كان قليل الجيد منه؛ فحركه المعتمد على الله على الجواب بقطعة أولها: من مجزوء الرمل

قُلْ لمن قد جمع العلم ... وما أحصى صوابَهْ

كان في الصرة شعر ... فتنظَّرْنا جوابَهْ

قد أثبناك فهلَّا ... جلب الشعر ثوابَهْ؟

ولما اتصل بزعانفة١ الشعراء وملحفي أهل الكدية ما صنع المعتمد -رحمه الله- مع الحصري، تعرضوا له بكل طريق، وقصدوه من كل فج عميق٢، فقال في ذلك رحمه الله: من الكامل

شعراء طنجة كلهم والمغرب ... ذهبوا من الإغراب أبعد مذهبِ٣

سألوا العسير من الأسير وإنه ... بسؤالهم لأحق فاعجبْ واعجبِ٤

لولا الحياء وعزة لَخْمِية ... طَيَّ الحَشَا ساواهمُ في المطلبِ

قد كان إن سُئل الندى يُجزل وإن ... نادى الصريخُ ببابه اركبْ يركبِ٥

وله في هذا المعنى رحمه الله: من الرمل

قُبح الدهر فماذا صنعا ... كلما أعطى نفيسًا نزعَا٦

قد هوى ظلمًا بمن عادتُهُ ... أن ينادي كل من يهوَى لعَا! ٧

مَنْ إذا الغيث هَمَى منهمرًا ... أخجلته كفه فانقطعَا٨

مَنْ غَمامُ الجَوْد من راحته ... عصفتْ ريح به فانتشعَا٩

مَنْ إذا قيل الخَنا صُمَّ وإن ... نطق العافون هَمْسًا سَمِعَا١٠


١- الزعانف: جمع الزعنفة: كل جماعة ليس أصلهم واحدًا، أو رديء كل شيء ورُذَالُه.
٢- الفج: الطريق الواسع البعيد.
٣- أغرب الشاعر: أتى بالغريب البعيد عن الفهم، وأغرب في الأمر: بالغ فيه.
٤- العسير: الشديد، الصعب.
٥- يُجزل: يُكثر. الصريخ: الاستغاثة، أو المستغيث، أو المغيث. وفي عجز البيت خلل عروضي.
٦- النفيس: العظيم القيمة.
٧- لعًا: لفظ معناه: الدعاء للعاثر بأن يرتفع من عثرته، يقال: لعًا لفلان، وفي الدعاء عليه بالتعس يقال: لا لعًا لك.
٨- الغيث: المطر. همى: انصب ماؤه. انهمر المطر: انسكب بقوة.
٩- الجود: المطر الغزير الذي لا مطر فوقه.
١٠- الخنا: الفحش في الكلام, العافون: طالبو المعروف.

<<  <   >  >>