للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبلغ من حال المعتمد على الله بأغمات، أن آثر حظياته وأكرم بناته أُلجئت إلى أن تستدعي غَزْلاً من الناس تسد بأجرته بعض حالها، وتصلح به ما ظهر من اختلالها. فأدخل عليها فيما أدخل غزل لبنت عَرِيف شرطة أبيها؛ كان بين يديه يَزَع الناس١ يوم بروزه، لم يكن يراه إلا ذلك اليوم. واتفق أن السيدة الكبرى أم بنيه اعتلت، وكان الوزير أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن زهر٢ بمراكش؛ قد استدعاه أمير المسلمين لعلاجه؛ فكتب إليه المعتمد راغبًا في علاج السيدة ومطالعة أحوالها بنفسه. فكتب إليه الوزير مؤديًا حقه ومجيبًا له عن رسالته ومسعفًا له في طلبته٣. واتفق أن دعا له في أثناء الرسالة بطول البقاء؛ فقال المعتمد في ذلك: من الوافر

دعا لي بالبقاء وكيف يهوَى ... أسير أن يطول به البقاءُ

أليس الموت أروح من حياة ... يطول على الشقي بها الشَّقاءُ٤

فمن يك من هواه لقاء حب ... فإن هواي من حتْفي اللقاءُ٥

أأرغب أن أعيش أرى بناتي ... عواريَ قد أضر بها الحَفَاءُ٦

خوادم بنت من قد كان أعلى ... مراتبه إذا أبدو النداءُ

وطرد الناس بين يدي ممرِّي ... وكفهمو إذا غص الفناءُُ٧

وركض عن يمين أو شمال ... لنظم الجيش إن رفع اللواءُ٨

يُعنِّيه أمام أو وراء ... إذا اختل الأمام أو الوراءُ٩

ولكن الدعاء إذا دعاه ... ضمير خالص نفع الدعاءُ

جُزيتَ أبا العلاء جزاء بَرٍّ ... نوى برًّا وصاحبك العلاءُ١٠


١- يزع الناس: يكفهم ويمنعهم.
٢- هو أبو العلاء، زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر: طبيب، فيلسوف، وزير، من أهل إشبيلية. نشأ في شرق الأندلس، وسكن قرطبة، وتوفي سنة ٥٢٥هـ/١١٣١م. "الأعلام، الزركلي: ٥٠/٣".
٣- المسعف: المعين، المساعد. الطلبة: المطلوب، من طلب الشيء: التمسه وأراده.
٤- أروح: أكثر راحة.
٥- الحتف: الهلاك, الموت.
٦- الحفاء: المشي بلا خف ولا نعل.
٧- الفناء: الساحة في الدار، أو بجانبها. وغص الفناء: امتلأ بالوفود والزائرين.
٨- اللواء: الراية أو العلم.
٩- يعنيه: يتعبه.
١٠- البر: الخير، المحسن. العلاء: الرفعة والسمو.

<<  <   >  >>