للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيُسلي النفْس عما فات علمى ... بأن الكل يدركه الفناءُ١

وورد عليه أغمات، أبو بكر بن اللبانة المتقدم الذكر، ملتزمًا عهد الوفاء، قاضيًا ما يجب عليه من شكر النُّعمى؛ فسر المعتمد بوروده، فلما أزمع٢ ابن اللبانة على السفر، استنفد المعتمد وُسْعَه ووجه إليه بعشرين مثقالًا وثوبين، وكتب إليه معها: من الوافر

إليك النَّزْر من كف الأسير ... فإن تقبل تكن عين الشكورِ٣

تقبَّلْ ما يذوب له حياء ... وإن عذرتْه حالاتُ الفقيرِ!

ولا تعجب لخطب غض منه ... أليس الخسف ملتزم البدورِ؟ ٤

ورجِّ لجبره عقبى نداه ... فكم جبرت يداه من كسيرِ٥

وكم أعلت علاه من حضيضٍ ... وكم حطت ظُباه من أميرِ٦

وكم من منبر حنت إليه ... أعالي مرتقاه، ومن سريرِ

زمان تزاحفت عن جانبيه ... جياد الخيل بالموت المُبيرِ٧

فقد نظرت إليه عيون نحس ... مضت منه بمعدوم النظيرِ

نحوس كن في عقبى سعود ... كذاك تدور أقدار القديرِ

وكم أحظى رضاه من حظي ... وكم شهرت علاه من شهيرِ٨

زمان تنافست في الحظ منه ... ملوك قد تجور على الدهورِ! ٩

بحيث يطير بالأبطال ذُعْر ... ويُلفَى ثَمَّ أرجح من ثبيرِ١٠


١- الفناء: الزوال، الهلاك.
٢- أزمع على السفر: عزم عليه, وتهيأ له.
٣- النزر: القليل، اليسير.
٤- الخطب: الأمر الشديد يكثر فيه التخاطب. غض منه: خفضه، ونقصه، وحط من قدره. الخسف: يقال: خسف القمر خسفًا: ذهب ضوءه أو نقص.
٥- الندى: الجود والكرم. جبر العظم الكسير: أصلحه، ومنه: جبر عظمه: أصلح شئونه وعطف عليه، وجبر الفقير واليتيم: كفاه حاجته.
٦- الحضيض: ما سفل من الأرض. الظبى: جمع الظبة: حد السيف.
٧- المبير: المهلك، يقال: بار الشيء بوْرٍا وبوارًا: هلك، وأباره: أهلكه.
٨- الحظي: الذي يفضل على غيره في المحبة، يقال: حظي فلان عند الناس: علا شأنه وأحبوه، وأحظاه السلطان: قربه واختصه وأدناه.
٩- تنافست الملوك: تبارت وتسابقت. تجور: تظلم.
١٠- يلفى: يوجد. أرجح: أثقل، أرزن. ثبير: جبل في الحجاز.

<<  <   >  >>