للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فامتنع ابن اللبانة من قبول ذلك عليه، وصرفه بجملته إليه؛ وكتب مجيبًا له عن شعره: من الوافر

سقطت من الوفاء على خبير ... فذرني والذي لك في ضميرِي

تركت هواك وهو شقيق ديني ... لئن شُقت برودي عن غدورِ١

ولا كنتُ الطليق من الرَّزايا ... لئن أصبحت أُجحف بالأسيرِ٢

أسير ولا أصير إلى اغتنامٍ ... معاذ الله من سوء المصيرِ

إذا ما الشكر كان وإن تناهى ... على نعمى فما فضل الشكورِ؟

جَذيمة أنت والأيام خانت ... وما أنا من يقصر عن قصيرِ٣

أنا أدرى بفضلك منك إني ... لبست الظل منه في الحَرُورِ٤

غني النفس أنت وإن ألحت ... على كفيك حالات الفقيرِ

تُصرِّف في الندى حيل المعالي ... فتسمُحُ من قليلٍ بالكثيرِ٥

أُحدث منك عن نبع غريبٍ ... تفتح عن جَنَى زهر نضيرِ٦

وأعجب منك أنك في ظلام ... وترفع للعفاة منار نورِ

رويدك سوف توسعني سرورًا ... إذا عاد ارتقاؤك للسريرِ٧

وسوف تحلني رتب المعالي ... غَداةَ تحل في تلك القصورِ


١- الشقيق: الأخ. البرود: الأثواب.
٢- الرزايا: المصائب. أجحف به: اشتد بالإضرار به.
٣- جذيمة: هو جذيمة بن الأبرش اللخمي ملك العراق، وقصير: هو قصير بن سعد اللخمي الذي يضرب به المثل فيقال: "لأمر ما جَدَع قصيرٌ أنفه". "مجمع الأمثال، الميداني: ١٩٦/٢". ولجذيمة وقصير قصة مفصلة في كتب الأمثال والأدب، خلاصتها: أن الزباء ملكة الجزيرة قتلت جذيمة ثأرًا لأبيها، فجدع قصير أنفه، وأوهم الزباء أن قومه جدعوا أنفه لميله بالولاء إليها، فصدقته ووثقت به. فتآمر عليها مع قومه، فدخلوا قصرها وقتلوها ثأرًا لجذيمة. "مجمع الأمثال، الميداني: ٢٣٣/١".
٤- الحرور: حر الشمس. قال تعالي: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ، وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ,} [فاطر: ٢٠-٢٢] .
٥- سمُح سماحة وسموحة: بذل في العسر واليسر عن كرم وسخاء. والسماحة: الجود والكرم، أو السهولة واللين.
٦- الجنى: ما يُجنى من الشجر. النضير: الحسن المشرق.
٧- السرير: أي: سرير الملك.

<<  <   >  >>