للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد دخول عبد المؤمن -رحمه الله- مراكش، طلب قبر أمير المسلمين، وبحث عنه عبد المؤمن أشد البحث؛ فأخفاه الله وستره بعد وفاته كما ستره في أيام حياته؛ وتلك عادة الله الحسنى مع الصالحين المصلحين.

وانقطعت الدعوة بالمغرب لبني العباس بموت أمير المسلمين وابنه، فلم يُذكروا على منبر من منابرها إلى الآن، خلا أعوام يسيرة بإفريقية، كان قد ملكها يحيى بن غانية١ الثائر من جزيرة ميورقة على ما سيأتي بيانه.

وكانت مدة المرابطين -من حين نزولهم رحبة مراكش إلى أن انقرض ملكهم جملةً واحدةً بموت أمير المسلمين وابنه- نحوًا من ست وسبعين سنة.

تغلب عبد المؤمن على بجاية وقلعة بني حماد

ولما دان لعبد المؤمن جميع أقطار المغرب الأقصى مما كان يملكه المرابطون -على ما قدمنا- وأطاعه أهلها، جمع جموعًا عظيمة وخرج من مراكش يقصد مملكة يحيى بن العزيز بن المنصور بن المنتصر الصنهاجي، وكان يملك بجاية وأعمالها إلى موضع يعرف بـ سيوسيرات. وهذا الموضع هو الحد فيما بينه وبين لمتونة؛ فقصده عبد المؤمن -كما ذكرنا- في شهور سنة ٥٤٠، فحاصر عبد المؤمن بجاية وضيق عليها أشد التضييق، فلما رأى يحيى بن العزيز أن لا طاقة له بدفاع القوم ولا يدان بمنعهم، هرب في البحر حتى أتى مدينة بُونة، وهي أول حد بلاد إفريقية، ثم خرج منها حتى أتى قسطنطينة المغرب، فأرسل إليه عبد المؤمن -رحمه الله- بالجيوش، فاستُنزل وأُتي به عبد المؤمن، هذا بعد أن عاهد عبد المؤمن أن يؤمن يحيى في نفسه وأهله.

ودخل عبد المؤمن بجاية وملكها، وملك قلعة بني حَمَّاد، وهي معقل صنهاجة الأعظم وحِرْزُهُمُ الأمنع، فيها نشأ ملكهم، ومنها انبعث أمرهم.

وكان يحيى هذا وأبوه العزيز وجداه المنصور والمنتصر، وجدهم الأكبر حماد -من شيعة بني عبيد وأتباعهم والقائمين بدعوتهم؛ ومن بلادهم -أعني صنهاجة- قامت دعوة بنى عبيد؛ وهم الذين أظهروها ونشروها ونصروها؛ فلم يزل ملك بني حماد هؤلاء مستمرًّا، ودولتهم قائمة، وأمرهم نافذًا، لا ينازعهم أحد شيئًا مما في أيديهم؛ إلى أن أخرجهم من ذلك كله وملكه بأسره وضمه إلى مملكته: أبو محمد عبد المؤمن بن علي في التاريخ الذي تقدم!.


١- هو يحيى بن علي بن يوسف المسوفي، المعروف بابن غانية: أول من ولي الأندلس من بني غانية. ولد في قرطبة، وتوفي بغرناطة سنة ٥٤٣ هـ/ ١١٤٨م. "الأعلام، الزركلي: ١٥٨/٨".

<<  <   >  >>