ولما ملك عبد المؤمن بجاية والقلعة وأعمالها، رتب من الموحدين من يقوم بحماية تلك البلاد والدفاع عنها؛ واستعمل عليها ابنه عبد الله؛ وكر راجعًا إلى مراكش ومعه وفي جنده يحيى بن العزيز ملك صنهاجة وأعيان دولته؛ فحين وصلوا إلى مراكش أمر لهم بالمنازل المتسعة والمراكب النبيلة والكُسَى الفاخرة والأموال الوافرة؛ وخص يحيى من ذلك بأجزله، وأسناه وأحفله؛ ونال يحيى هذا عنده رتبة عالية وجاهًا ضخمًا، وأظهر عبد المؤمن عناية به لا مزيد عليها ...
بلغني من طرق عدة أن يحيى بن العزيز كان في مجلس عبد المؤمن يومًا، فذكروا تعذر الصرف؛ فقال يحيى: أما أنا فعلي من هذا كُلْفة شديدة، وعبيدي في كل يوم يشكون إليَّ ما يلقون من ذلك، ويذكرون أن أكثر حوائجهم تتعذر لقلة الصرف -وذلك أن عادتهم في بلاد المغرب أنهم يضربون أنصاف الدراهم وأرباعها وأثمانها والخراريب، فيستريح الناس في هذا وتجري هذه الصروف في أيديهم فتتسع بياعاتهم- فلما قام يحيى بن العزيز من ذلك المجلس، أتبعه عبد المؤمن ثلاثة أكياس صروف كلها وقال لرسوله: قل له: لا يتعذر عليك مطلوب ما دمت بحضرتنا -إن شاء الله عز وجل-!.
وأقام عبد المؤمن -رحمه الله- بمراكش، مرتبًا للأمور المختصة بالمملكة؛ من بناء دور، واتخاذ قصور، وإعداد سلاح، واستنزال مستعصٍ، وتأمين سبل، وإحسان إلى رعية، وما هذا سبيله.