للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستقم له شيء مما أراد، واختلف عليه أصحابه. وكان قيامه بحصن مارتلة -وقد تقدم اسم هذا الحصن في أخبار الدولة العبادية- فأسلمه-كما ذكرنا- أصحابه، واختلفوا عليه، ودسوا إليه من أخرجه من الحصن بحيلة حتى أخذه الموحدون قبضًا باليد، فعبروا به إلى العدوة، فأتوا به عبد المؤمن -رحمه الله-، فقال له: بلغني أنك ادعيت الهداية! فكان من جوابه أن قال: أليس الفجر فجرين: كاذبًا وصادقًا؟ فأنا كنت الفجر الكاذب! فضحك عبد المؤمن وعفا عنه. ولم يزل بحضرته إلى أنه قتله بعض أصحابه الذين كانوا معه بالأندلس. ولابن قسي هذا أخبار قبيحة، مضمونها الجراءة على الله سبحانه، والتهاون بأمر الولاية؛ منعني من ذكرها صرف العناية إلى ما هو أهم منها.

عبور الموحدين إلى الأندلس

ولما انتشرت دعوة المصامدة -كما ذكرنا- بالمغرب الأقصى، تشوف١ إليهم أعيان مغرب الأندلس؛ فجعلوا يفدون في كل يوم عليهم، ويتنافسون في الهجرة إليهم؛ فدخل في ملكهم كثير من جزيرة الأندلس، كالجزيرة الخضراء، ورُنْدَة، ثم إشبيلية، وقرطبة، وأغرناطة. وكان الذي فتح هذه البلاد الشيخ أبو حفص عمر إينْتي المتقدم الذكر في أهل الجماعة. واجتمع على طاعتهم أهل مغرب الأندلس.

فلما رأى عبد المؤمن ذلك، جمع جموعًا عظيمة، وخرج يقصد جزيرة الأندلس؛ فسار حتى نزل مدينة سبتة، فعبر البحر، ونزل الجبل المعروف بجبل طارق، وسماه هو جبل الفتح، فأقام به أشهرًا، وابتنى به قصورًا عظيمة، وبنى هناك مدينة هي باقية إلى اليوم. ووفد عليه في هذا الموضع وجوه الأندلس للبيعة، كأهل مالقة، وأغرناطة، ورندة، وقرطبة، وإشبيلية، وما والى هذه البلاد وانضم إليها. وكان له بهذا الجبل يوم عظيم، اجتمع له وفي مجلسه فيه من وجوه البلاد ورؤسائها وأعيانها وملوكها من العدوة والأندلس ما لم يجتمع لملك قبله. واستدعى الشعراء في هذا اليوم ابتداءً ولم يكن يستدعيهم قبل ذلك، إنما كانوا يستأذنون فيؤذن لهم.

محمد بن حَبُّوس الفاسي الشاعر

وكان على بابه منهم طائفة أكثرهم مجيدون؛ فدخلوا، فكان أول من أنشد: أبو عبد الله محمد بن حبوس٢، من أهل مدينة فاس. وكانت طريقته في الشعر على


١- تشوف: تطلع, طَمِح.
٢- هو أبو عبد الله، محمد بن حسين بن عبد الله بن حبوس الفاسي: شاعر من أهل فاس، ولد ونشأ فيها، وتوفي سنة ٥٧٠هـ/١١٧٤م. "الأعلام، الزركلي: ١٠١/٦".

<<  <   >  >>