للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من تسند أمورنا وبمن تشير علينا؟ وكان له ولد، فأشاروا به عليه؛ فقال: إنه لا يصلح؛ لأني سمعت أنه يشرب الخمر ويغفل عن الصلاة، فإن كان ولا بد فقدموا عليكم هذا -وأشار إلى محمد بن سعد- فإنه ظاهر النجدة, كثير الغَناء١، ولعل الله أن ينفع به المسلمين!.

فاستمرت ولاية ابن سعد على البلاد إلى أن مات في شهور سنة ٦٥٨.

وأما أهل المرية فأخرجوا من كان عندهم أيضًا من المرابطين؛ واختلفوا فيمن يقدمونه على أنفسهم؛ فندبوا إليها القائد أبا عبد الله بن ميمون، ولم يكن منهم، إنما هو من أهل مدينة دانية؛ فأبى عليهم وقال: إنما أنا رجل منكم، ووظيفتي البحر وبه عُرفت؛ فكل عدو جاءكم من جهة البحر فأنا لكم به. فقدموا على أنفسكم من شئتم غيري! فقدموا على أنفسهم رجلا منهم اسمه عبد الله بن محمد، يعرف بـ ابن الرميمي؛ فلم يزل عليها إلى أن دخلها عليه النصارى من البر والبحر؛ فقتلوا أهلها وسبوا نساءهم وبنيهم وانتهبوا أموالهم في خبر يطول ذكره.

وملك جيان وأعمالها إلى حصن شَقورة وما والى تلك الثغور، رجل اسمه عبد الله، لا أعرف اسم أبيه، هو معروف عندهم بـ ابن هَمُشْك؛ وربما ملك عبد الله هذا قرطبة أيامًا يسيرة.

وأقامت على طاعة المرابطين أغرناطة وإشبيلية.

فهذه جملة أحوال الأندلس في آخر دعوة المرابطين. وفي ضمن هذه الجملة جزئيات من أخبار الحصون والقلاع والمدن الصغار, أضربتُ عن ذكرها خوفًا من الإطالة؛ لأنها نكرة، والتعريف بها مخرج إلى الطول.

وقام بمغرب الأندلس دعاة فتن ورءوس ضلالات؛ فاستفزوا٢ عقول الجهال، واستمالوا قلوب العامة؛ من جملتهم رجل اسمه أحمد بن قَسِيٍّ؛ كان في أول أمره يدعي الولاية، وكان صاحب حيل ورب شَعبذة٣، وكان مع هذا يتعاطى صنعة البيان وينتحل٤ طريق البلاغة، ثم ادعى الهداية؛ بلغني ذلك عنه من طرق صحاح. ثم لم


١- الغناء: النفع والكفاية.
٢- استفزه: استخفه.
٣- الشعبذة: الاحتيال.
٤- انتحل الشيء: ادعاه لنفسه, وهو لغيره.

<<  <   >  >>