للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يذهبن لتقليل أخو سببٍ ... من الأمور، ولا يركن لتكثيرِ١

فالبحر قد عاد من ضرب العصا يَبَسًا ... والأرض قد غرِقَتْ من فَوْر تنورِ٢

وإنما هو سيف الله قلده ... أقوى الهداة يدًا في دفع محذورِ٣

فإن يكن بيد المهدي قائمه ... فموضع الحد منه حد مشهورِ

والشمس إن ذكرت موسى فما نَسِيَتْ ... فتاه يُوشَعَ قمَّاع الجبابيرِ٤

وكان الرصافي يوم أنشد هذه القصيدة لم تكمل له عشرون سنة. وهو من مجيدي شعراء عصره، لا سيما في المقاطيع, كالخمسة الأبيات فما دونها. وقد رويتُ شعره عن جماعة ممن لقوه، وقد رأيت أن أورد منه هاهنا نبذة يسيرة تدل على ما وصفناه به، فمن ذلك قوله يصف نهر إشبيلية الأعظم، وهو نهر لا نظيرَ له في الدنيا: من الكامل

ومُهدَّل الشَّطَّيْنِ تحسَب أنه ... متسايل من درة لصفائهِ٥

فاءت عليه مع الهجيرة سَرْحَة ... صَدِئت لفَيْئَتها صفيحة مائهِ٦

فتراه أزرق في غِلالَة سُمْرة ... كالدَّارع استلقى بظل لوائهِ٧

وله, وقد اجتمع مع إخوان له في بعض العَشَايا, في بستان رجل يقال له: موسى بن رزق: من الكامل

ما مثلُ موضعك ابنَ رزقٍ موضعُ ... روض يرق وجدول يتدفعُ

فكأنما هو من محاجر غادة ... فالحسن ينبت في ثَرَاه وينبُعُ٨

وعشيةٍ لبست رداء شُحُوبها ... والجو بالغيم الدقيق مقنَّعُ


١- ركن إليه رَكْنًا وركُونًا: مال إليه وسكن، أو اعتمد عليه.
٢- التنور: وجه الأرض، ويقال: كل مَفْجَر ماء تنور، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: ٤] .
٣- قلده السيف: ألقى حمالته في عنقه. المحذور: ما يُتقى ويحترز منه.
٤- القماع: الكثير القمع، وقد قمع فلانًا قمعًا: قهره وذلَّله. الجبابير: الطغاة، الظالمون، المتسلطون.
٥- تهدَّل الشيء: تدلَّى أو استرخى.
٦- فاءت: رجعت. الهجيرة: الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر. السَّرْحة: واحدة السَّرْح: الماشية.
٧- الغلالة: ثوب رقيق يلبس تحت الدثار. الدارع: لابس الدرع.
٨- المحاجر: العيون، أو ما يُحيط بها. الغادة: الفتاة الناعمة الشابة.

<<  <   >  >>