للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخبرني السيد حقيقة والماجد١ خلقًا وخليقة، أبو زكريا يحيى ابن الإمام أمير المؤمنين أبي يعقوب ابن الإمام أمير المؤمنين أبي محمد عبد المؤمن بن علي: أنه رأى على ظهر كتاب الحماسة بخط الخليفة عبد المؤمن هذين البيتين، وقال لي رحمه الله: لا أدري هما له أو لغيره: من البسيط

وحَكِّمِ السيفَ لا تعبأ بعاقبة ... وخلها سيرة تبقى على الحِقَبِ٢

فما تنال بغير السيف منزلة ... ولا ترد صدور الخيل بالكتبِ

وقد كان عبد المؤمن حين فصل عن بجاية وولى عليها ابنه عبد الله -حسبما تقدم- عهد إليه أن يشن الغارات على نواحي إفريقية، وأن يضيق على تونس ويمنع عنها المرافق التي تصل إليها على طريقه؛ ففعل ذلك.

غزو الموحدين لإفريقية

ثم إن عبد الله تجهز في جيش عظيم من المصامدة والعرب وغيرهم، وسار حتى نزل على مدينة تونس، وهي حاضرة إفريقية بعد القيروان، وكرسي مملكتها، ومقر تدبيرها، وإياها يستوطن والي إفريقية، لم يزل هذا معروفًا من أمرها إلى وقتنا هذا -وهو سنة ٦٢١- فحاصرها عبد الله المذكور، وأخذ في قطع أشجارها وتغوير مياهها٣, وكان الذي يملكها في ذلك الوقت لوجار بن لوجار المعروف بابن الدوقة الرومي صاحب صقلية -لعنه الله-, وكان عاملَهُ عليها رجلٌ من المسلمين اسمه عبد الله؛ يعرف بابن خراسان؛ لم يزل عاملا عليها حتى أخرجه الموحدون في التاريخ الذي سيذكر. فلما طال على ابن خراسان الحصار، أجمع رأيه ورأي أهل البلد من الجند على الخروج لقتال المصامدة، ففعلوا ذلك، وخرجوا بخيل ضخمة، فالتقوا هم وأصحاب عبد الله فانهزم أصحاب عبد الله، وقتل منهم خلق كثير. ورجع عبد الله ببقية أصحابه إلى بجاية إلى بجاية, فكتب إلى أبيه يخبره بذلك.

فتح المهدية واسترجاعها من يد الصقليين

فلما كان في آخر سنة ٥٥٣ أخذ عبد المؤمن في الحركة إلى إفريقية، فجمع جموعًا عظيمة من المصامدة وغيرهم من جند المغرب، وسار حتى نزل على مدينة تونس، فافتتحها عَنْوة؛ وفصل عنها إلى مهدية بني عبيد؛ وفيها الروم أصحاب ابن


١- الماجد: الشريف الخير.
٢- الحقب: الدهور.
٣- غوَّر الماء: جعله يغور في الأرض: يذهب فيها ويسفل، فلا يستطاع الانتفاع به.

<<  <   >  >>