للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدوقة، وفيها معهم يحيى بن حسن بن تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن بُلُجِّين بن زيري بن مَنَاد الصنهاجي، ملوك القيروان؛ فنزل عبد المؤمن عليها فحاصرها أشد الحصار، وهي من معاقل المغرب المنيعة؛ لأن بنيانها في غاية الإحكام والوَثَاقة١؛ بلغني أن عرض حائط سورها ممشى ستة أفراس في صف واحد، ولا طريق لها من البر إلا على باب واحد، والبحر في قبضة من في البلد: يدخل الشيني كما هو بمقاتلته إلى داخل دار الصناعة، لا يقدر أحد ممن في البر على منعه؛ فبهذا قدر الروم على الصبر على الحصار؛ لأن النجدة كانت تأتيهم من صقلية في كل وقت. وأقام عبد المؤمن وأصحابه عليها سبعة أشهر إلا أيامًا، وأصابتهم عليها شدة شديدة من غلاء السعر؛ بلغني عن غير واحد أنهم اشتروا الباقلاء في العسكر، سبع باقلات بدرهم مُؤمِنيّ، وهو نصف درهم النصاب. ثم اقتتحها عبد المؤمن -رحمه الله- بعد أن أمن النصارى الذين بها على أنفسهم، على أن يخرجوا له عن البلد، ويلحقوا بصقلية بلدهم حيث مملكة صاحبهم؛ ففعلوا ذلك، ودخل عبد المؤمن وأصحابه المهدية فملكوها.

وبعث إلى قابس من افتتحها، وفيها الروم أيضًا.

امتداد مملكة الموحدين إلى الشرق

ثم افتتح طرابلس المغرب، وأرسل إلى بلاد الجريد، وهي تَوْزَر، وقَفْصة، ونَفْطَة، والحامَّة، وما والى هذه البلاد؛ فافتُتحت كلها، وأخرج الإفرنج منها وألحقهم ببلادهم كما تقدم. فمحا الله به الكفر من إفريقية، وقطع عنها طمع العدو؛ فانتبه٢ بها الدين بعد خموله، وأضاء كوكب الإيمان بعد انطماسه وأُفُوله٣.

وتم لعبد المؤمن -رحمه الله- ملك إفريقية كلها منتظمًا إلى مملكة المغرب، فملك في حياته من طرابلس المغرب إلى سوس الأقصى من بلاد المصامدة وأكثر جزيرة الأندلس؛ وهذه مملكة لم أعلمها انتظمت لأحد قبله منذ اختلت دولة بني أمية إلى وقته.

ألوان من شكر النعمة

ثم كر عبد المؤمن راجعًا من إفريقية، بعد ما استولى على بلادها ودان له أهلها٤؛


١- الوثاقة: يقال: وثُق الشيء وثاقةً: قوي, وثبت وصار محكمًا.
٢- انتبه: نَبُه: شَرُف وعلا ذكره.
٣- الأفول: الغياب.
٤- دان له أهلها: خضعوا.

<<  <   >  >>