للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعقوب، فخرج بالموحدين قاصدًا مدينة بجاية، فلما سمع علي بقدومه خرج له عنها وقصد بلاد الجريد.

استرجاع بجاية من يد المَيُورقيِّين

ونزل أمير المؤمنين بالقرب من بجاية، فتلقاه أهلها، فلقيهم منشرح الصدر, ظاهر البِشْر١، وقال لهم من القول ما بسط به نفوسهم ورد إليهم نافر أنسهم، وقد كانوا يظنون غير ذلك، فخرجوا من عنده متعجبين مما رأواه منه وسمعوا ...

واستعمل على بجاية من أعيان الموحدين رجلًا اسمه محمد بن أبي سعيد الجِنْفِيسي؛ ثم سار حتى نزل مدينة تونس، فجهز جيشًا عظيمًا أمر عليهم رجلًا من ولد عمر بن عبد المؤمن اسمه يعقوب، وذلك لما كانوا يرونه في ملحمة كانت عندهم من أنهم سيُهزَمون مع رجل اسمه يعقوب، بموضع يعرف بـ وطا عمره. فسار يعقوب هذا بالجيش المذكور، وأقام هو في تونس؛ فكانت الهزيمة على يعقوب بن عمر -كما ذكر-. وذلك أن الموحدين التقوا هم وأصحاب علي بن غانية، فانهزم الموحدون انهزامًا قبيحًا، واتبعتهم العرب والبربر يقتلونهم في كل وجه. وهلك أكثرهم عطشًا، ورجع بقيتهم إلى تونس حيث أمير المؤمنين, فلم شَعَثهم، وجَبَر ما وهى من أحوالهم، وخرج هو بنفسه حتى لقي علي بن غانية بموضع يعرف بـ الحامة، حامة دُقْيُوس؛ فما وقف أصحاب علي إلا يسيرًا حتى انكشفوا عنه، وأبلى هو عذرًا فأُثحن جراحًا٢، وخرج فارًّا بنفسه فمات في خيمة لعجوز أعرابية.

وكان حين خرج من ميورقة خرج معه من إخوته: عبد الله، ويحيى، وأبو بكر، وسِير؛ فبقي هؤلاء المذكورون بعد موت أخيهم على من كان معهم من أصحابهم؛ ثم رأوا أن يقدموا عليهم يحيى لما رأوا من شهامته وشجاعة نفسه؛ فقدموه، ثم لحقوا بالصحراء فكانوا بها مع العرب الكائنين هناك إلى أن رجع أمير المؤمنين من هذا الوجه.

استرجاع قَفْصَة

وفي هذه السفرة انتقضت عليهم أيضًا مدينة قفصة، ونزع أهلها أيديهم من طاعتهم ودعواللميورقيين؛ فنزل عليها أمير المؤمنين أبو يوسف فحاصرها أشد الحصار؛ ثم دخلها


١- البشر: الفرح.
٢- أثخن في الأمر: بالغ فيه، وأثخن في العدو: بالغ في قتاله, ومنه: أثخنه الهم والمرض والجرح.

<<  <   >  >>