للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنوة فقتل أهلها قتلًا ذريعًا؛ بلغني أنه قتل أكثرهم ذبحًا؛ وأمر بأسوارها فهُدَّت.

إبراهيم الزُّويلي الكاتب

وفي ذلك يقول رجل من أصحابنا من الكتاب، اسمه إبراهيم، يعرف عندنا بالزويلي، في قصيدة طويلة له يمدح بها أمير المؤمنين أبا يوسف, ويذكر شأن قفصة ورميهم إياها بحجارة المنجنيق: من البسيط

سائل بقَفْصَةَ هل كان الشقي لها ... بعلا, وكانت له حمالة الحطبِ١

تبت يدا كافر بالله ألهبها ... فكان كالكافر الأشقى أبي لهبِ٢

وفيها يقول:

لما زَنَت وهي تحت الأمر محصنةٌ ... حصبتموها اتباع الشرع بالحَصَبِ٣

أنشدني -رحمه الله- هذه القصيدة بلفظه من أولها إلى آخرها؛ فلما انتهى إلى هذا البيت: لما زنت ... غلبني الضحك لما سبق إلى خاطري من سوء معناه؛ فسترت وجهي، فقال لي: ما لك؟ فلم أملك أن قهقهت فتغير لي؛ فلما خفت غضبه أخبرته بما سبق إلى خاطري، فسبني وقال لي: أنت والله شيطان سيئ القريحة، غالب على طباعك اللهو!....

واستمر في إنشاده حتى أتم القصيدة.

وأبو إسحاق الزويلي هذا من شيوخ الكتاب وظرفاء الشعراء، جمعتني وإياه مجالسُ عند السيد الأجل أبي زكريا يحيى بن يوسف بن عبد المؤمن، شاهدت فيها من ظَرْفِه٤ وغزارة بديهته ما قضيت منه العجب.

رجع الحديث عن بني غانية

ولما فرغ أبو يوسف من أمر إفريقية، كَرَّ راجعًا إلى المغرب.

ولم يزل يحيى بن غانية قائمًا بما كان يقوم به أخوه من تدبير الأمور؛ ورجع منهم عبد الله خاصة إلى جزيرة ميورقة، فألفاها قد انتقضت عليهم، ودُعي فيها للموحدين؛


١- الشقي: أي: ابن غانية.
٢- تَبَّ فلان: هلك وخسر، يقال في الدعاء: تبت يده، وتبًّا له. وفي البيتين السابقين اقتباس من قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ،.... وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب,} [المسد: ١، ٤] .
٣- زنت: ارتكبت الفاحشة. المحصنة: المتزوجة. حصبه حصْبًا: رماه بالحصباء، وهي صغار الحجارة. الحَصَب: صغار الحجارة أيضًا.
٤- الظرف: في الوجه: الحسن، وفي القلب: الذكاء، وفي اللسان: البلاغة.

<<  <   >  >>