للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعل ذلك أخوهم أبو عبد الله محمد بن إسحاق. فلما قدم عبد الله قام معه علج من علوج أبيه يسمى نجاحًا؛ كان نجاح هذا لم ينقض عهدًا ولا نزع يدًا من طاعة؛ وكان متحصنًا في قلعة ومعه جماعة على رأيه من الموالي والجند. فلما قدم عبد الله -كما ذكرنا- تلقوه، وانضاف إليهم خلق من بوادي الجزيرة من الفلاحين ورعاة الغنم؛ فنهَد١ بهم عبد الله إلى المدينة، فلم يدفعه عنها أحد ولا امتنع عليه من أهلها ممتنع؛ ففتحوا له الأبواب، ودخلها بمن معه؛ وأخرج أخاه محمدًا ونفاه إلى الأندلس؛ فحظي محمد هذا عند المصامدة حظوة عظيمة، وولوه مدينة دانية، فلم يزل واليًا عليها حتى مات.

واستقر عبد الله بميورقة، فضبط أمرها وجرى في الغزو وإخافة العدو على سنن٢ أبيه؛ فلم يزل كذلك إلى أن دخلها عليه الموحدون في سنة ٥٩٩ على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ولم يزل أمر يحيى بإفريقية ينبه ويخمل أخرى؛ وله أخبار يطول شرحها ويخرج عن الغرض بسطها.

اختلاف بني عبد المؤمن

وحين كان أمير المؤمنين أبو يوسف غائبًا في هذا الوجه الذي ذكرنا، طمع في الأمر أخوه أبو حفص عمر المتلقب بـ الرشيد، وعمه سليمان بن عبد المؤمن؛ وكان أحدهما بشرقي الأندلس بمدينة مرسية، والآخر بـ تادلا من بلاد صنهاجة.

فأما أبو الربيع سليمان فسولت٣ له نفسه وزين له سوء رأيه أن يجمع على نفسه قبائل صنهاجة ليقوموا بدعوته, وصرح بذلك ودعا أشياخهم فألقى إليهم ما أراد؛ فلم يتفق له من ذلك أكثر من أن تشعثت٤ عليه البلاد وانتشرت عنه هذه الأُشْنُوعة القبيحة، وبلغ الخبر أمير المؤمنين.

وأما عمر، فكان قد بدأ من ذلك بتنقص أمير المؤمنين أبي يوسف على رءوس الأشهاد٥، تعريضًا٦ مرة وتصريحًا تارة، وإلقاء ذلك إلى خواصه ليُلقوه إلى وجوه


١- نهد فلان: نهض ومضى، ونهد لعدوه أو إلى عدوه نهْدًا، ونهَدًا: صمد له وشرع في قتاله.
٢- السنن: الطريقة أو المنهج.
٣- سولت له نفسه الأمر: حببته إليه، وسهلته له، وأغرته به.
٤- تشعثت: تفرقت.
٥- الأشهاد: جمع الشاهد: الذي يؤدي الشهادة، أو الدليل، وتنقصه على رءوس الأشهاد: أي جهرًا وعلانية.
٦- عرض بالرجل، وله: قال فيه قولًا يعيبه، وعرض له بالقول: لم يبينه ولم يصرح به.

<<  <   >  >>