قرطبة مائة وسبعون امرأة, كلهن بكتبن المصاحف بالخط الكوفي؛ هذا ما في ناحية من نواحيها فكيف بجميع جهاتها؟!.
وقيل: إنه كان فيها ثلاثة آلاف مُقَلَّس؛ وكان لا يتقلس١ عندهم في ذلك الزمان إلا من صلح للفتيا.
وسمعت ببلاد الأندلس من غير واحد من مشايخها، أن الماشي كان يستضيء بسُروج قرطبة ثلاثة فراسخ لا ينقطع عنه الضوء.
وبها الجامع الأعظم الذي بناه أبو المُطَرّف عبد الرحمن بن محمد المتلقب بـ الناصر لدين الله، وزاد فيه بعده ابنه الحكم المستنصر بالله؛ فزيادة الحكم معروفة إلى اليوم.
وحكى أبو مروان بن حيان -رحمه الله- في أخبار قرطبة، أن الحكم لما زاد زيادته المشهورة في الجامع، اجتنب الناس الصلاة فيها أيامًا؛ فبلغ ذلك الحكم، فسأل عن علته؛ فقيل له: إنهم يقولون: ما ندري هذه الدراهم التي أنفقها في هذا البنيان من أين اكتسبها! فاستحضر الشهود والقاضي أبا الحكم المنذر بن سعيد البَلُّوطي المتقدم الذكر في قضاته، واستقبل القبلة وحلف باليمين الشرعية التي جرت العادة بها، أنه ما أنفق فيه درهمًا إلا من خُمس المغنم! وحينئذٍ صلى الناس فيه لما علموا بيمينه؛ ومن الخمس أيضًا كان أبوه بناه؛ وزاد فيه أبو عامر محمد بن أبي عامر زيادة أخرى من هذه النسبة؛ فهو مسجد لم ينفق فيه درهم إلا من خمس المغنم. وهو مُعظَّم القدر عند أهل الأندلس، مبارك، لا يصلي فيه أحد ويدعو بشيء من أمر الدنيا والآخرة إلا استجيب له؛ قد عرف ذلك من أمره، واشتهر.
وحكى غير واحد أن الأدفنش -لعنه الله- لما دخلها في شهور سنة ٥٠٣، دخل النصارى في هذا المسجد بخيلهم، فأقاموا به يومين لم تَبُلْ دوابهم ولم ترُثْ حتى خرجوا منه؛ وهذه الحكاية مما تواتر عندهم واستفاض بقرطبة.
وقد جمع أهل الأندلس كتبًا في فضائل قرطبة وأخبارها ومن كان بها أو نزلها من الصالحين والفضلاء والعلماء.
ذكر إشبيليَّة
ومن مدينة قرطبة إلى مدينة إشبيلية ثلاث مراحل؛ وإشبيلية هذه هي حاضرة الأندلس في وقتنا هذا، وهي التي تسمى عندهم في قديم الزمان حمص؛ سميت
١- تَقَلَّس الرجل: لبس القلنسوة: لباس للرأس, مختلف الأنواع والأشكال.