للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفحولها المبرزين. كان إذا نسب أنساك كُثيِّرًا١، وإذا مدح أزرى بزُهير٢، واذا فخر أناف٣ على امرئ القيس٤؛ فمن جملة مقاطعه التي تشهد له بجودة الطبع وإتقان الصنعة قوله: من البسيط

بيني وبينك ما لو شئتَ لم يضع ... سر إذا ذاعت الأسرار لم يَذِعِ

يا بائعًا حظه مني ولو بُذِلتْ ... ليَ الحياة بحظي منه لم أبعِ

يكفيك أنك إن حمَّلت قلبي ما ... لا تستطيع قلوب الناس, يستطعِ

تِهْ أَحتملْ، واستطلْ أَصبرْ، وعِزَّ أهنْ ... وولِّ أُقبلْ، وقلْ أَسمعْ، ومرْ أُطعْ!

وهو القائل -رحمه الله- يخاطب بني جهور، وكان قد وزر لهم قبل وزارته للمعتمد؛ لأن أصله من مدينة قرطبة، فنالته منهم محنة، فخرج عن قرطبة إلى إشبيلية وافدًا على المعتمد، فعلت رتبته عنده؛ فكان يبلغه عن بني جهور ما يسوءه في نفسه وقرابته بقرطبة، فقال يخاطبهم: من الطويل

بني جهور أحرقتمو بجفائكم ... فؤادي، فما بال المدائح تعبقُ

تعدونني كالعنبر الورد، إنما ... تفوح لكم أنفاسُه حين يُحرقُ

ومن نسيبه الذي يختلط بالروح رقة, ويمتزج بأجزاء الهواء لطافة، قصيدته التي قالها يتشوق ابنة المهدي: ولادة٥، وهي بقرطبة وهو بإشبيلية: من البسيط

أضحى التنائي بديلًا من تدانينا ... وناب عن طِيب لقيانا تجافينَا٦

بِنْتُم وبِنَّا, فما ابتلت جوانحنا ... شوقًا إليكم, ولا جفت مآقينِا٧


١- هو كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة: شاعر حجازي غزل، عاش في العصر الأموي، وكانت وفاته سنة ١٠٥هـ/٧٢٣م. "الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني: ٢/٩-٣٨".
٢- هو زهير بن أبي سلمى بن رياح المزني: شاعر جاهلي مُقدَّم مجيد، عُرف بحكمته ورويته ونفاذ بصيرته. توفي نحو ١٣ ق. هـ/نحو ٦٠٩م. " الشعر والشعراء، ابن قتيبة: ٧٦/١". وأزرى بالشيء: تهاون به وقصر.
٣- أناف عليه: أشرف.
٤- هو امرؤ القيس بن حجر الكندي: أمير الشعراء في الجاهلية. توفي نحو ٨٠ ق. هـ/نحو ٥٤٥م. "الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني: ٧٦/٩".
٥- كذا وردت، والصواب: ولادة بنت المستكفي بالله، وهي شاعرة، أديبة، كانت تخالط الشعراء، وتساجل الأدباء. توفيت سنة ٤٨٤هـ/ ١٠٩٢م. "بغية الملتمس، الضبي: ٥٤٧"
٦- التنائي: التباعد. التداني: التقارب. التجافي: التباعد.
٧- بان بَيْنًا: ابتعد. المآفي: العيون، أو أطرافها.

<<  <   >  >>