للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينَا١

حالت لفقدكم أيامنا فغدت ... سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينَا٢

إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألفنا ... ومورد اللهو صافٍ من تصافينَا٣

وإذ هصرنا غصون الأنس دانيةً ... قطوفها فجنينا منه ما شينَا٤

ليُسقَ عهدُكم عهدُ السرور فما ... كنتم لأرواحنا إلا رياحينَا٥

مَنْ مُبلِغ ملبسينا بانتزاحهمُ ... حزنًا مع الدهر لا يبلى ويُبلينَا٦

أن الزمان الذي ما زال يضحكنا ... أُنْسًا بقربهم قد عاد يُبكينَا!

غِيظ العِدَا من تساقينا الهوى فدعوْا ... بأن نَغَصَّ فقال الدهر: آمينَا٧

فانحل ما كان معقودًا بأنفسنا ... وانبت ما كان موصولًا بأيدينَا٨

وقد نكون وما يُخشى تفرقُنا ... فاليوم نحن وما يُرجى تلاقينَا

ما حقنا أن تُقروا عين ذي حسد ... بنا، ولا أن تسروا كاشحًا فينَا٩

يا ليت شعري ولم نعتب أعاديَكمْ ... هل نال حظًّا من العُتْبى أعادينَا١٠

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم ... رأيًا, ولم نتقلد غيره دينَا١١

كنا نرى اليأس تُسْلينا عوارضُه ... وقد يئسنا, فما لليأس يغرينا! ١٢

يا ساريَ البرق غادِ القصر فاسق به ... من كان صِرْف الهوى والود يسقينَا١٣


١- ناجاه مناجاة ونِجاء: سارَّه. الأسى: الحزن. التأسي: التجلد والتصبر.
٢- حالت: تغيرت.
٣- الطلق "من الوجوه": الضاحك المستبشر، ومن الأيام والليالي: المشرق الخالي من الحر والبرد والريح والمطر وكل أذًى. تألفنا: اجتماعنا وتوافقنا. صافى فلانًا: صدقه المحبة والمودة, وتصافيا: تخالصا في الود.
٤- هصر الغصن: جذبه وأماله، أو عطفه وكسره من غير فصل. ما شينا: ما شئنا.
٥- الرياحين: جمع الريحان: نبات طيب الرائحة.
٦- انتزح فلان: ابتعد.
٧- غص بالماء ونحوه غصًّا وغَصَصًا: وقف في حلقه فلم يكد يسيغه.
٨- انبت: انقطع.
٩- قرت العين: هدأت وسكنت، كناية عن الرضا والسرور. الكاشح: العدو المبغض.
١٠- أعتب فلانًا: أرضاه بعد العتاب. وعتب عليه: لامه. العتبى: الرضا.
١١- تقلد الأمر: احتمله.
١٢- تسلينا: تنسينا.
١٣- الساري: السائر ليلًا. غاد القصر: باكره. الصرف: المحض، الخالص.

<<  <   >  >>