وليس من شك في أن حركة التيارات أمام الساحل الشمالي لمصر من الغرب إلى الشرق قد ساعد على حماية ميناء الإسكندرية من الرواسب الطينية التي تحملها مياه نهر النيل وتلقي بها في البحر خصوصًا في موسم الفيضان.
أما التيار السفلي الذي يتحرك على عمق يتراوح بين ١٠٠ و ١٥٠ مترًا فيتجه نحو بوغاز جبل طارق في معظم أجزاء البحر ما عدا بحر إيجة؛ حيث يتحرك نحو البحر الأسود.
وحركة المياه في بوغاز جبل طارق تسير في اتجاهين متضادين؛ فهناك تيار سطحي قوي يندفع من المحيط إلى البحر المتوسط بسرعة تبلغ حوالي خمسة كيلو مترات في الساعة، ويتراوح عمقه بين ٥٠ و ١٠٠ متر من سطح الماء، ويقابل هذا التيار السطحي تيار آخر سفلي يتحرك على عمق يتراوح بين ١٠٠ و ٢٠٠ متر وتنحدر بواسطته مياه البحر المتوسط ذات الكثافة والملوحة المرتفعتين على حافة العتبة الصخرية نحو قاع المحيط، ويواصل التيار السطحي الذي يحمل مياه المحيط الأطلسي ذات الكثافة والملوحة المنخفضتين نسبيًّا حركته نحو الشرق، أمام الساحل الشمالي لإفريقية حتى الساحل الشمالي لمصر؛ إلا أن سرعته تتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا شرقًا. أما التيار السفلي الذي يخرج من البحر المتوسط فتنتشر مياهه الكثيفة على قاع المحيط في اتجاهات مختلفة أمكن تتبعها لمسافات طويلة أمام ساحل البرتغال وساحل المغرب، بل وفي عرض المحيط. والمياه التي تغذي هذا التيار السفلي تشمل الطبقة التي يتراوح عمقها بين ٣٠٠ و ٥٠٠ متر في معظم أجزاء البحر المتوسط؛ حيث يلاحظ أن هذه الطبقة تتحرك بصفة عامة نحو الغرب، أما الطبقات الأعمق من ذلك فلا تتأثر تأثرًا ظاهرًا بهذه الحركة، ويرجع ذلك إلى تأثير بوغاز جبل طارق الذي أشرنا إليه.
ومن الممكن أن نلاحظ نفس حركة المياه كذلك في البوغاز الذي يفصل جزيرة صقلية عن تونس؛ فهنا يوجد تياران أحدهما سطحي يتجه نحو الشرق، والثاني سفلي يتجه نحو الغرب، ولكنهما أضعف بكثير من تياري بوغاز جبل طارق.