إن الاعتقاد بأن الكائنات بأسرها مجموعة لآيات الله تعالى جل شأنه وعلى أن كل جزء منها آية من آياته الباهرة الدالة على ذاته تعالى وعلى صفاته العلية العظيمة، واجب على كل مسلم، وهذه العقيدة واليقين يجب أن يظهر في تفكره فيها، وأنه إذا تفكر فليتفكر فيها من حيث أنها آيات الله تعالى شأنه كما هو ظاهر من الآيات المزبورة، وهذا المنهج من التفكر يميزه عن سائر المناهج الفكرية التي يتبعها الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
الأصل الثالث:
ومما يستنبط من الآيات المزبورة هو أن الفكر ينبغي أن يتقدمه ذكر الله تعالى شأنه، وذلك بأن الله تعالى قدم الذكر على التفكر.
الأصل الرابع:
تدل الآية على أن تفكر المؤمن في عالم الخلق، ينبغي أن يكون لتحصيل نفع من علمه ومعلومه سواء كان المقصود أن ينتفع به نفسه أو أن ينفع غيره، لأن المؤمن يعتقد ويقر بأن الرب الحكيم لم يخلق شيئا باطلا، فيجب أن يبتغي منافع السموات والأرض وأمثالهما من أجزاء الكائنات التي يتفكر فيه ثم يدعو الله أن يهديه إليها.
ثم إنه ليس من شأن المؤمن أن يقصد نفعاً دنيوياً فقط، بل ينبغي له أن يقصد نفع الآخرة قصدا أوليا والنفع الدنيوي قصداً ثانوياً، يشير إليه قوله تعالى:{سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} . كما يشير إلى قصد مطلق النفع قوله تعالى:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} .
إن الحركة الفكرية في عالم الخلق والتكوين التي تقودها هذه الأصول الأربعة وتقطع مسافتها في ضوئها تسمى ب (الفكرة السنية الطبعية) سواء كانت في الطبعيات أو الكيمياء أو الهيئة والرياضة أو في غيرها من العلوم الطبعية، وهي (سنية) لكونها مهتدية بهداية القرآن الحكيم، و (طبعية) لاختصاص مسافتها بعالم الخلق والتكوين وعدم علاقتها في نفسها بعالم الأمر والتشريع، وعدم تأثيرها في نفسها في سعادة النفس وشقائها كما أوضحناه من قبل.
ثم إن التفكر في عالم الخلق والتكوين لا يختص بالمسلمين وهو مجال لكل من له قوة في التفكر والنظر سواء كان مؤمناً أو كافراً، وإن من المخلوق ما هو خير لنا كما أن منه ما هو شر