المنصور الخليفة العباسي إلى الإمام مالك، أن يجمع ما ثبت لديه، ويدونه في كتاب، ويوطئه للناس، فألف كتابه هذا وسماه الموطأ. وقيل: إن سبب تسميته بذلك أنه لما ألفه عرضه على شيوخه، فواطؤوه عليه فسمي الموطأ. ذكر السيوطي في مقدمته لشرح الموطأ أن مالكا قال:"عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ". تحرى مالك في موطئه القوي من حديث أهل الحجاز، حتى قالوا: إنه مكث في تأليفه أربعين سنة كاملة ينقحه، ويهذبه. روى السيوطي في مقدمته لشرح الموطأ عن الأوزاعي أنه قال: عرضنا على مالك الموطأ في أربعين يوما، فقال:"كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوما؟ ما أقل ما تفقهون فيه".
ومن عادة مالك في موطئه أن يذكر في مقدمة الموضوع، ما جاء فيه من الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما ورد فيه من الآثار عن الصحابة والتابعين، وندر أن يكونوا من غير أهل المدينة؛ لأن مالكا لم يرحل عنها، وأحيانا يذكر ما عليه العمل أو الأمر المجتمع عليه في المدينة، وأحيانا يتبع الحديث بتفسير كلمة لغوية، أو بيان المراد من بعض الجمل.
درجة أحاديث الموطأ:
المتتبع لسيرة مالك في الحديث يجد أنه كان يتحرى في المتون، وينتقي في الأسانيد، شهد له بذلك العلماء قديما وحديثا. ولما كان الموطأ هو خلاصة لجهود هذا المحدث الكبير، والإمام القدير، في أربعين عاما جاء كتاب عظيما، متقنا في بابه، غاية في المتانة، وقد بين العلماء سلفا، وخلفا أن أحاديث الموطأ كلها صحيحة، وأن أسانيده وردت جميعها متصلة،