للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدمت على عثمان فصعد ابن عديس١ المنبر وقال ألا إن عبد الله بن مسعود حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إن عثمان أضل من عبيدة على بعلها٢، فأخبرت عثمان، فقال: كذب والله ابن عديس ما سمعها من ابن مسعود ولا سمعها ابن مسعود من رسول الله صلى الله عليه وسلم قط٣. فإن هذه الرواية لا تصح من جهة الإسناد ففيه انقطاع وهو من طريق ابن لهيعة وهو مفرط في التشيع والرواية في مثالب عثمان رضي الله عنه، مما يوافق هواه، ولا تقبل منه، وبذلك يتبين أن الوضع في الحديث ازداد بعد ذلك على أثر الفتن السياسية التي وقعت بين المسلمين كموقعة الجمل وصفين والنهروان حيث كانت هذه الأحداث مبعث نشوء الأحزاب السياسية كالشيعة والخوارج، ولما لم تسعفها نصوص القرآن والحديث دائمًا لجأ بعض منتحليها إلى الكذب، ولما لم يجدوا مجالا للتلاعب بكتاب الله المحفوظ في الصدور فضلًا عن أن تدوينه وجمعه تم قبل الفتنة، لذلك لجئوا إلى الوضع في الحديث الذي تأخر جمعه عن القرآن ونجد اختلافًا بين علماء القرن الأول حول تدوينه فمنهم من كان لا يرى كتابه.


١ ابن عديس: هو عبد الرحمن بن عديس الذي اشترك في مقتل عثمان "الطبري: تاريخ ١/ ٣٠٤٩".
٢ لم أجد هذا المثل في مجمع الأمثال للميداني ولا في فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد البكري، ولا في المستقصي في أمثال العرب للزمخشري ١/ ٢١٧. لكنه يذكر في شرح المثل "أضعف من موؤودة": كان الوأد في العرب قاطبة وقطع الإسلام ذلك إلا عن تميم، وكان سبب إصرارهم عليه أنهم منعوا النعمان الإتاوة فجرد إليهم دوسر واستاق نعمهم وسبى ذراريهم فوفدوا عليه وكلموه في الذراري فجعل الخيار إلى النساء فاختارت بنت لقيس بن عاصم سابيا على زوجها، فنذر قيس أن يئد كل بنت تولد له فوأد بضع عشرة بنتًا، وبصنيع قيس هذا نزل القرآن.
٣ السيوطي: اللآلئ المصنوعة ١/ ٣١٨، وقال: "هذا من كذب ابن عديس" وقال ابن الجوزي في الموضوعات ١/ ٣٥: "هذا حديث لا نشك في أنه كذب ولسنا نحتاج إلى الطعن في الرواة، وإنما هو من تخرص ابن عديس" وابن عديس صحابي من أصحاب الشجرة كما في الإصابة ١/ ٤١١، والأولى إعلال الرواية حيث لا يعرف شيخ ابن أبي الدنيا في إسنادهما وفيها ابن لهيعة قوي التشيع وقد أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي "تنزيه الشريعة ١/ ٣٥٠"، لكنه لم يجزم بل جعل الحمل على افتراء ابن عديس محتملًا.

<<  <   >  >>