للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد مضي حوالي القرن من تأليف الكتب السالفة الذكر ألف محمد بن حبان البستي "ت٣٥٤هـ" كتابه "مشاهير علماء الأمصار" ورتبه على المدن أيضا ولكنه لم يتقيد بتسلسل المدن الذي وجدناه عند خليفة وابن سعد إلا من حيث تقديم المدينة على بقية المدن، وابن حبان صريح في بيان اقتصاره على الأماكن التي شملها بحثه فهي "ستة أصقاع تشملها عمارة الإسلام وما وراءها من المدن يسكنها غير أولي الأحلام أولها الحجاز بحواليها، والثاني العراق بنواحيها، والثالث الشام بأطرافها والرابع مصر بجوانبها، والخامس اليمن بما والاها، والسادس خراسان بما دار عليها، هذه المدن المشهورة في الإسلام المعروفة بعلماء الأيام"١.

وقد ذكر سبب تقديمه المدينة على غيرها من المدن "لأنها مهبط الوحي ومعدن الرسالة وبها نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرا، ومنها انتشر الإسلام وظهر أعلام الدين وبها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وإياها قطن جلة الصحابة"٢. ويشترط ابن حبان استيطان الرجل في المدينة كي يعده من أهلها ولا يهمه بعد ذلك أن تكون وفاته في غيرها٣، ومن هذا العرض نتبين أن العوامل التي أثرت في ترتيب المدن وتقديم بعضها على الآخر هي أولا المكانة العلمية للمدينة، وثانيا الأهمية الدينية وثالثا العامل الجغرافي.

وكان كل من خليفة بن خياط ومحمد بن سعد وابن أبي خيثمة واسع الأفق شامل النظرة حين جعل رقعة العالم الإسلامي ميدانا لدراساته ولا شك أن للرحلة في طلب العلم أثرا كبيرا في امتزاج علم الأمصار المختلفة، فقد بدات الرحلة في طلب العلم في جيل الصحابة, فكان الصحابي يرحل في طلب حديث واحد لم يسمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو للتثبت من حديث يشك في دقة حفظه


١ ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار، ١-٢.
٢ المصدر السابق، ٣.
٣ ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار، ٣٧، ٤٢.

<<  <   >  >>