ومن بعدهم من أهل المدينة إلا بعد أن ينهي كلامه عن أهل الكوفة بكافة طبقاتهم ثم ينتقل إلى البصرة فيذكر طبقاتهم كافة وبعد أن ينتهي منهم يعود إلى المدينة فيذكر بقية طبقاتها، ولعله أراد أن يتم المادة المتعلقة بالصحابة فلاحقهم إلى الأمصار التي استقروا فيها بأعداد كثيفة.
وثمة ظاهرة أخرى تبرز عند خليفة هي أنه لم يراع العامل الجغرافي كثيرا في تسلسل المدن التي ذكرها فهو يقفز من مكان إلى آخر فقد انتقل كما ذكرت من الحجازإلى العراق ثم عاد إلى الحجاز وكذلك لم يتناول واسط وبغداد بعد الكوفة والبصرة بل ذكرهما في آخر كتابه ولعله اعتبر في ذلك المكانة العلمية حيث أن واسط وبغداد تأخرت عمارتهما وبالتالي تأخر ازدهار الرواية فيهما عن المدن الأخرى. إن مراعاة العامل الجغرافي تفي تسلسل المدن يظهر عند محمد بن سعد فعندما ذكر المدينة لم ينتقل من الحجاز إلا بعد أن ذكر مراكز العلم الأخرى فيه وهي الطائف واليمن واليمامة والبحرين على التوالي، وعندما ذكر الكوفة والبصرة لم يغادر العراق إلا بعد ذكر واسط والمدائين وبغداد، ثم ذكر المشرق بكافة مراكزه وهي خراسان والري وهمذان وقم على التوالي، ثم ذكر الأنبار، ثم انتقل إلى المغرب فذكر الشام ثم الجزيرة فالعواصم والثغور فمصر فأيلة فأفريقية فالأندلس وهكذا راعى ابن سعد العامل المكاني تسلسل المدن إلى جانب مراعاته المكانة العلمية، ويظهر اعتبار العامل الجغرافي في تسلسل المدن عند مصنف آخر هو مسلم بن الحجاج حيث أن تسلسل ذكر المدن عنده مطابق لما هو عند ابن سعد١ وكذلك يظهر اعتبار العامل الجغرافي عند ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبيرفقد ذكر مكة فالطائف فاليمن فاليمامة فالمدينة فالكوفة.
وقد أهمل خليفة أماكن ذكرها ابن سعد وهي همذان وقم والأنبار والبحرين والثغور وأيلة والأندلس ولكنه أضاف مراكز جديدة أهملها ابن سعد وهي الموصل والمغرب وقد تناول المغرب بشيء من التفصيل.
١ عن تسلسل المدن في طبقات مسلم، أنظر السخاوي: الاعلان، ٦٨٤.