للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعرض العلماء إلى القصاصين الكذابين ففضحوهم أمام الجمهور بإظهار كذبهم كما فعل الأعمش "ت١٤٨هـ" إذ دخل مسجد البصرة فنظر إلى قاص يقول حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي وائل، فتوسط الأعمش الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه فقال له القاص ألا تستحي نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا؟ فقال الأعمش: الذي أنا فيه خير من الذين أنت فيه. قال: وكيف؟ قال: لأني في سنة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدثتك مما تقول شيئا١.

ولكن لم تكن سائر مواقف العلماء بهذه الشدة في إعلان الحق وفضح الكذابين فقد حضر يزيد بن هارون "ت٢٠٦هـ" مجلس أبي سعيد المدائني، وكان حسن النغمة والقصصن, فأخذ يكذب في الحديث ويزيد بن هارون يبكي من التأثر ثم اكتفى بأن قال لرجل بجانبه ويحك هذا يكذب، فأجابه الرجل "فقعودك عنده تبكي وأنت تعلم أنه يكذب أيش!! "٢.

على أن يزيد بن هارون كان يفضح القصاص ويبين كذبهم عندما يسأله الناس فقد حدث أن قاصا سأل الناس فلم يعطوه فقال حدثنا يزيد بن هارون عن شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا سأل السائل ثلاثا فلم يعط يكبر عليهم ثلاثا، وأخذ يكبر عليهم. فلما سئل يزيد بن هارون عن الحديث قال كذب الخبيث ما سمعت بهذا قط٣.

بل وتجرأ أحد القصاصين بالكذب على يزيد بن هارون في حضوره فقال: حدثنا يزيد بن هارون عن ذئب بن أبي ذئب!! فأخذ يزيد بن هارون يضحك، فلما قام الناس من المجلس تبع بعضهم القاص فقالوا له: ويحك ليس إسمه ذئب إنما هو محمد بن عبد الرحمن، فقال: إذا كان أبوه إسمه "أبو ذئب" فأي شيء كان ابنه إلا ذئبا٤.


١ السيوطي: تحذير الخواص/ ٤٩.
٢ ابن حبان: المجروحين من المحدثين ٢/ ٢٩ب.
٣ ابن حبان: المجروحين من المحدثين ٢/ ٢٩ أ-ب.
٤ المصدر السابق ٢/ ٢٩ب.

<<  <   >  >>