والمذهب؛ لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى وأغلى في نظرهم من كل اعتبار آخر، فكانا -لهذا كله- يفصحون أحوال رواة السنة النبوية فحصًا مجردًا موضوعيًّا لا تهمهم النتيجة التي يصلون إليها وإنما يهمهم شيء واحد هو الوصول إلى حقيقة وصفات من يدرسونه ومدى الوثوق بروايته، فكانوا في دراستهم هذه كالكيميائي في مصنعه وهو يفحص مادة من المواد ليعرف خصائصها ولا تهمه النتيجة التي يصل إليها ولا نوع الصفات التي ستظهر عليها المادة التي يفصحها. فإذا ما أنهى العالم دراسته حول رواة الحديث، أعطى لكل منهم رمزًا يشير إلى خلاصة ما توصل إليه فيقول، هذا ثقة، وهذا عدل، أو هذا لين الحديث، أو هذا لا بأس بحديثه، أو هذا كذاب، أو هذا سيئ الحفظ، أو هذا أصابه ضعف في ذاكرته بشيخوخته، وهذه الدراسة المضنية الخالصة المجردة من الهوى والمقرونة بتقوى الله والإخلاص له والحرص الشديد على تجريد السنة الصحيحة مما علق بها، استطاع علماء الجرح والتعديل -بعون الله- أن يميزوا صحيح السنة من مكذوبها، وأن يردوا كيد أعداء الإسلام الذين أرادوا هدمه بهدم السنة والتشكيك بها وصرف المسلمين عنها.
١٢- إن هذا العلم -علم الجرح والتعديل- لا يزال علما نافعًا يحتاج إليه المسلمون في كل وقت، لا سيما في زماننا هذا، حيث اتجه المستشرقون ومن تأثر بهم إلى شن الغارة على السنة النبوية ورواتها وإثارة الشكوك حولهم وحولها بأسلوب ناعم مسموم خبيث يتظاهر أصحابه بالتجرد والبحث العلمي الموضوعي. ولهذا صار لزامًا على كل مسلم يقف على تشكيك هؤلاء المستشرقين وأتباعهم في السنة ورواتها، أن يرجع إلى مصنفات علماء الجرح والتعديل ليقف على حقيقة رواة السنة والموثوق به منهم والمطعون فيه، العدل والمجروح؛ لأن هذه الحقيقة، حقيقة رواة السنة، يستحيل أن نجدها عند المستشرقين المكذبين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإنما نجدها عند أتباعه وخدام سنته والمؤمنين به، عند علماء الحديث وعلى وجه التحديد عند علماء الجرح والتعديل.