للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السابقين في الجرح والتعديل، ولم يكن ثمة اتفاق على هذه الألفاظ والعبارات فأصبحت لكل مصنف مصطلحات ذات مدلول خاص، وهذا يتطلب من المتتع ليس فقط معرفة مدلولات هذه المصطلحات على وجه العموم، بل معرفة مدلولاتها النسبية وكيفية استعمالها عند كل واحد، فيحيى بن معين مثلا يستعمل عبارة "ليس بشيء" أحيانا للدلالة على أن أحاديث الراوي قليلة بينما يستعملها غالبا للدلالة على ضعف الراوي. أما الآخرون فيستعملون ذلك دائما في جرح الراوي كقولهم: "لا تحل الراوية عنه"١ ويستعمل ابن معين لفظة "لا باس به" مقابل لفظ "ثقة" وهي عند غيره تطلق على من هو أدون من ثقة٢.

وترتبط بعض هذه الألفاظ من حيث منشؤها بأمثال قديمة اشتقت منها، وقد وقع الحافظ العراقي في وهم نتيجة غموض أحد هذه الألفاظ وعدم تفطنه إلى أصل اشتقاقه وهو استعمال أبي حاتم عبارة "هو على يدي عدل"، أي هالك. فكان العراقي يقول: "هو على يدي عدل" ويريد بها التوثيق وقد فطن العسقلاني إلى ذلك ونبه على أنها من ألفاظ الجرح حين قرأ ترجمة جبارة بن المغلس فوجد أن أبا حاتم ضعفه وقال: "هو على يدي عدل"٣. ولكن هذا مثال متطرف بالطبع فهناك عدد من ألفاظ الجرح والتعديل ذات مدلول واضح ومتعارف عليه كقولهم "ثقة" أو "حجة" أو "ثبت" أو "ضعيف" أو "كذاب" أو "مطرح"، وعموم هذه الألفاظ واضحة المدلول.

ولم تكتب قواعد الجرح والتعديل إلا متأخرا، بل أن الرامهرمزي


١ اللكنوي: الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، ٨٠، ١٠٠.
٢ الخطيب: الكفاية ٢٢؛ والرفع والتكميل، ٧٧، ١٠٠. وكذلك استعمل دحيم من أهل الشام وهو بمنزلة أبي حاتم الرازي في الشرق لفظة "لا بأس به" بمعنى "ثقة"؛ اللكنوي: الرفع والتكميل، ١٠١.
٣ اللكنوي: الرفع والتكميل، ٧٩، حاشية "٢" "وكان العدل ولي شرط تبع فكان إذا قتل رجلا دفعه إليه فقيل: "وضع على يدي عدل" ومعناه هلك".

<<  <   >  >>