للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إسحاق وجرح أحمد بن حنبل في الحارث المحاسبي وجرح سفيان الثوري في أبي حنيفة١. وقد انتقد الذهبي بعض أهل الجرح والتعديل لإعراضهم عن جرح بعض المتنفذين خوفا من سلطانهم٢. كما وقف بعض النقاد من مخالفيهم في العقائد، بل في الفقه أحيانا موقفا شديدا٣ وجرتهم مخالفتهم لهم إلى جرحهم، ولذلك ميز العلماء بين المبتدع الذي لا يدعو إلى بدعته فأجازوا الرواية عنه ما لم تكن بدعته كفرا صريحا وبين المبتدع الداعية فلم يجيزوا الرواية عنه٤ لأن هواه يجره إلى الكذب انتصارا لفكرته. ورأوا التوقف في قبول قول الجارح إذا كان بينه وبين من جرحه اختلاف في الاعتقاد٥، على أن هذه الانتقادات لا يمكن أن تقلل من أهمية علم الجرح والتعديل, ولا من الجهد العظيم الذي بذله النقاد في تمييز الرجال ومعرفة الثقات والضعفاء، وورعهم وتحفظهم ودقتهم في ذلك حتى جرح علي بن المديني أباه وجرح أبو داؤد السجستاني ابنه٦، ورفض يحيى بن معين قبول صرة ذهب هدية من أحد العلماء لأنه أراد أن يصدق في كلامه فيه٧ كما أنه لم يتحرج من جرح


١ الذهبي: تذكرة الحفاظ، ٢/ ٤٩٦؛ واللكنوي: الرفع والتكميل، ١٨٩/ ١٩١.
ومن ذلك أيضا كلام محمد بن يحيى الذهلي في البخاري فقد حسده لأن الناس انفضوا عنه إلى البخاري "الخطيب: تاريخ بغداد، ٢/ ٣٠" وكلام محمد بن عثمان بن أبي شيبة ومطين في بعضهما "الخطيب: تاريخ بغداد، ٣/ ٤٣، ٤٥".
٢ الذهبي: تاريخ الإسلام، ٥/ ٢٤٢، ٢٤٣.
٣ ابن حبان: المجروحين من المحدثين، ٢/ ٢٨أ-ب؛ والقاسمي: الجرح والتعديل، ٢٤.
٤ ابن حبان: المجروحين من المحدثين، ٢/ ٢٧ب-٢٨أ.
الخطيب: الكفاية، ١٢٦، ١٢٧.
٥ العسقلاني: لسان الميزان، ١/ ١٦.
٦ السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، ٤٨٨. حيث يذكر "قال علي بن المديني لمن سأله عن أبيه "سلوا عنه غيري" فأعادوا المسألة، فأطرق ثم رفع رأسه فقال: "هو الدين إنه ضعيف" وقال أبو داؤد صاحب السنن: "ابني عبد الله كذاب، مع تأويلنا له في بذل المجهود".
٧ السخاوي: الإعلان بالتوبيخ، ٤٨٧. حيث يذكر "لما قدم -يعني يحيى بن معين- حران، طمع أبو سعيد يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي "ت٢١٨هـ" أنه يجيء إليه، فوجه بصرة فيها ذهب وطعام طيب، فقبل الطعام ورد الصرة، فلما رحل سألوه عنه، فقال: والله إن صلته لحسنة، وإن طعامه لطيب، إلا أنه لم يسمع من الأوزاعي شيئا".

<<  <   >  >>