اجتهد أبو بكر فاستخلف على المسلمين عمر. واجتهد عمر فلم يستخلف واحدًا، وترك الأمر شورى بين ستة. فاجتهاد أحدهما غير اجتهاد صاحبه، واجتهادهما معًا غير ما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يستخلف واحدًا كما فعل أبو بكر ولم يترك الشورى لستة كما فعل عمر وما رمي واحدًا منهما بأنه خالف شرع الله لأنه توخى المصلحة، واجتهد ما استطاع.
اجتهد عمر وأمضى الطلاق الثالث على من طلق زوجه ثلاثًا بكلمة واحدة، ولم يكن ليخفى عليه قول الله في كتابه:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة: ٢٢٩] وإن الثلاث في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبى بكر وصدر من خلافته نفسه كانت تعتبر واحدة، وإن رجلًا على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلق امرأته ثلاثًا فبلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك فقال:"أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" لم يكن ليخفى عليه من ذلك شيء ولكنه رأى الناس أكثروا من هذا اللعب فألزمهم بنتائجه، ردعًا لهم أو تقليلًا لألاعيبهم. وهذا هو الذي عناه بقوله -رضي الله عنه:"إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة فلو أنا أمضيناه عليهم" فأمضاه عليهم. ولهذا قال ابن تيمية:"إن سياسة عمر قضت بأن ألزم المطلق ثلاثًا بكلمة واحدة بالثلاث، وسد عليهم باب التحليل ليزدجروا ويرتدعوا، ولو علم أن الناس يتتابعون في التحليل لرأي أن إقرارهم على ما كان عليه الأمر زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وصدرًا من خلافته أولى".