وجه الاستدلال: أوجب الشارع الحذر بإنذار من تفقه في الدين مطلقا. فوجب على العالم قبوله، كما وجب على العامي ذلك.
رابعا: إجماع الصحابة: إذ روي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال لعثمان رضي الله عنه: "أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله، وسيرة الشيخين"١ فقال: "نعم". وكان ذلك بمشهد من عظماء الصحابة، ولم ينكر عليه أحد فكان ذلك إجماعا.
خامسا: أجمعنا على أنه يجوز للمجتهد أن يقبل خبر الواحد عن مجتهد آخر. بل عن عاص، وإنما جاز ذلك اعتمادا على عقله، ودينه، فهنا إذا أخبر المجتهد عن منتهى اجتهاده بعد استفراغ الوسع والطاقة. فلأن يجوز العمل به كان أولى.
سادسا: أن المجتهد إذا أدى اجتهاده إلى العمل بفتوى مجتهد آخر فقد حصل ظن أن حكم الله تعالى ذلك وذلك يقتضي أن يحصل له ظن أنه لو لم يعمل به لاستحق العقاب فوجب أن يجب العمل به، دفعا للضرر المظنون.
سابعا: أن بعض الصحابة كان يرجع إلى قول بعض عند سماعه من غير أن يسأله عن دليله، لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجع إلى قول علي ومعاذ رضي الله عنهما ولم ينكر عليه أحد من السلف.
ثامنا: أن قول المجتهد صواب وكل صواب جائز اتباعه.
تاسعا: أن المجتهد العالم هنا مضطر إلى التقليد، لأنه إذا اشتغل بالاجتهاد فاتته العبادة، فوجب أن يجوز له التقليد.
عاشرا: أن المجتهد إذا عجز عن الاجتهاد، إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له. فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه، وانتقل إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء.
١ انظر: الكامل لابن الأثير ٣/٣٦، وتاريخ الطبري ٥/٣٧، وأدب القاضي للماوردي ١/٦٤٦.