للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وأما ما ذكرت من طلب الأسباب الأربعة، التي لابد منها في صرف الكلام من حقيقته إلى مجازه. فأنا أذكر لك ملخص الكلام الذي جرى بيني وبين بعض الناس في ذلك (١)، وهو ما حكيته لك وطلبته، وكان -إن شاء الله- له ولغيره به منفعة، على ما في الحكاية من زيادة ونقص وتغيير:

قال لي بعض الناس: إذا أردنا أن نسلك طريق سبيل السلامة والسكوت، وهي الطريقة التي تصلح عليها السلامة، قلنا كما قال الشافعي -رضي الله عنه-: «آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» (٢)، وإذا سلكنا سبيل البحث والتحقيق، فإن الحق مذهب من


(١) الذي يظهر أن هذه المناظرة قد وقعت لشيخ الإسلام قبل مناظرة الواسطية بزمن؛ وذلك لأن هذه الرسالة التي بعثها شيخ الإسلام لشمس الدين الدباهي إنما كانت وشمس الدين في المدينة المنورة، ثم إنه بعدها بفترة قدم إلى دمشق وصحب شيخ الإسلام فيها فترة من الزمن، وبقي فيها إلى أن توفي سنة ٧١١ هـ، وكانت المناظرة الواسطية قد وقعت لشيخ الإسلام سنة ٧٠٥ هـ، ثم أُبعدَ بعدها إلى مصر واستمر هناك سبع سنين أي إلى سنة ٧١٢ هـ، وذلك بعد وفاة شمس الدين بعام، فتكون صحبة الدباهي له إنما كانت قبل ٧٠٥ هـ بلا شك، ويكون بعث شيخ الإسلام للرسالة المدنية لشمس الدين قبل ذلك بمدة، وذلك عندما كان الدباهي يقطن المدينة المنورة.
(٢) ذكره ابن قدامة في لمعة الاعتقاد (ص:٧)، وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في كتابه (البداية والنهاية) (١٣٨/ ١٤): (وقد روي عن الربيع وغير واحد من رؤوس أصحابه (أي الشافعي) ما يدل على أنه كان يمر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف؛ على طريق السلف). وقال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في كتابه "العلو للعلي الغفار" (ص:١٦٦): (وعن يونس بن عبد الأعلى؛ سمعت الشافعي يقول: لله تعالى أسماء وصفات لا يسع أحداً -قامت عليه الحجة- ردها). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه (فتح الباري) (٤٠٧/ ١٣): (وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر، فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].

<<  <   >  >>