للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بعض الصالحين: رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس يساقون إلى الحساب، وأنا مع طائفة منهم عليهم الحلل والتيجان، فمروا إلى ساحل بحر فجلسوا، فأردت أن أجلس معهم، فقالوا: إليك عنا، فلست منا أطلب أصحابك المذنبين، فسرت قليلاً وإذا أنا بأقوام على كراسي من نور فأردت أن أجلس معهم، فقال لي قائل منهم: لا تجلس معنا اطلب أصحابك المذنبين، فمشيت قليلاً وإذا أنا بأقوام عليهم ثياب رثة، ووجوه غيره مصفرة، فقالوا: إجلس معنا فأنت منا، فقلت: من أنتم؟ قالوا: " أصحابك المذنبين، فجلست معهم وبقيت متفكراً في أمري، وإذا بسفينة من الذهب الأحمر، وشراعها من السندس الأخضر، وإذا بمناد ينادي ويقول: هذه سفينة الأبرار المستغفرين بالأسحار، فقامت طائفة وقالت: لبيك داعي ربنا وسعديك، ثم ركبوا فرحين مستبشرين حتى غابوا عن أعيينا، ثم أقبلت سفينة من لؤلؤة بيضاء شراعها من السندس الأخضر، وإذا مناد ينادي ويقول: أين العلماء ورثة الأنبياء، فقالوا: لبيك داعي ربنا وسعديك، فركبوا حامدين شاكرين فرحين مستبشرين حتى غابوا من أعيننا ولم يبق على ساحل البحر غيرنا.

فبينما نحن في كرب شديد وغم وحزن ما عليه من مزيد، وإذا بسفينة قد أقبلت، وهي من الياقوت الأحمر وشراعها من السندس الأخضر، فتأملت الشراع فإذا هي مكتوب عليها: (ورحمتي وسعت كل شيء) ، ومناد ينادي ويقول: هذه سفينة الرحمة والتعطف، أين أهل العصيان والتخلف؟ فركبنا مستغفرين ذاكرين الله تعالى.

ولم نزل في الرجاء والامتنان حتى أشرفنا على وادي العفو والغفران، فجاءنا توفيق من الكريم المنان قد غفر لنا، فلما غفر لنا ما غفر لنا، وسر لنا ما سر لنا، ووهب لنا ما وهب لنا، حمدنا الله تعالى غلى منه وكرمه.

<<  <   >  >>