وكان بعض الصالحين يقول في مناجاته: " وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك، وما عصيت إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولا مستخف بأمرك، ولكن سولت لي نفسي وأعانتني عليها شقاوتي، وغرني سترك المرخى علي، عصيتك بجهلي، وخالفتك بسفهي، فالان من ينقذني من عذابك، واعتصم بحبل من أقطعت حبلك عني.
فوا أسفاه.. ووا أسفاه من الذنوب، غداً بين يديك إذا قبل للمخفين جوزوا مع المخفين، وللمثقلين حطوا، أمع المثقلين أحط أم مع المخفين أجوز، وكلما كبر سني كثرت ذنوبي، وكلما طال عمري عظمت المعاصي، فكم أثوب وكم أعود؟ أما آن لي أن استحي من ربي؟!! وقيل في المعنى شعر:
يا عظيم الجلال أنت ملاذي ... حين أحيى وغايتي لمعادي
بك أرجو النجاة من كل كرب ... فارحم اليوم عبرتي وسهادي
لست أدري ماذا تحاول ... نفسي من فساد يا منقذي من فسادي
[خف ربك يوم الحساب]
قيل: كان في بني إسرائيل رجل مسرف على نفسه، فلما حضرته الوفاة، قال لولده: يا بني إن طاعتي عليك ميتاً كطاعتي عليك حياً، فإذا أنا مت فاجعلني في حصير وأحرقني بالنار واسحقني كسحق الكحل الناعم، فإذا ارتفعت الرياح العواصف فذر نصفي في الجبال، ونصفي في البحار، فإني خائف من ربي أن يعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، قال: ففعل به ذلك، فأقامه الله تعالى في أسرع كل طرفة عين، وأوقفه بين يديه، وقال: يا عبدي، عصيتني حباً وكفرت بي ميتاً، فقال: يا رب خفت من هذا المقام، فغفر له بذلك.