وقال بعض الصالحين: رأيت غلاماً قد انقطع عن الناس وهو قائم يصلي، فانتظرته حتى فرغ من صلاته، فسلمت عليه وقلت له: أما معك مؤنس؟ قال: نعم، قلت: وأين هو؟ قال: أمامي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، ومن تحتي، فقلت في نفسي: إن عنده معرفة، فقلت له: هل عندك زاد؟ قال: نعم، فقلت: وأين هو؟ قال: الإخلاص لله عز وجل والتوحيد، والإقرار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قلت له: يا سيدي: إن لي عندك حاجة، قال: وما هي؟ فقلت: أن تدعو الله تعالى لي، فقال: حجب الله طرفك من كل معصية وألهمك بفكرة فيما يرضيه حتى لا يكون لك همة إلا هو، قلت: يا سيدي، متى ألقاك؟ قال لي: أما اللقاء في الدنيا فلا تحدث نفسك بلقائي، وأما الآخرة فإنها لجميع المتقين، وإياك أن تخالف الله تعالى فيما أمرك به وندبك إليه، وإياك إن كنت تبتغي لقائي فاطلبني مع الناظرين إليه، قلت له: وكيف ذلك، قال: بتغضيض بصري عن كل محرم واجتنابي عن كل مسكر، وقد سألت الله تعالى أن يجعل جنتي النظر إليه، ثم صاح يسعى وأقبل يسعى، حتى غاب عن بصري.
وقال الأصمعي رضي الله تعالى عنه: رأيت، أعرابياً في الطواف وهو أرمد العينين والقذى يسبل من عينيه وهو لم يزل قذاهما، فقلت له: ما بالك لا تزيل القذى من عينيك؟ فقال: إن الطبيب زجرني عن ذلك، ولا خير فيمن لا يزجر بالطبيب، إذا نهاه فلا ينتهي، فقلت له: أي شيء تشتهي؟ فقال: أشتهي لكن أحتمي، لأني رأيت أهل الجنة غلبت حميتهم على شهوتهم، فهم لا يشتهون بعدها أبداً. ورأيت أهل النار غلبت شهوتهم على حميتهم فلذلك افتضحوا وشقوا شقاوة لا يسعدون بعدها أبداً.
وحكي عن الحسن البصري رضي الله عنه انه مشى خلف جزارة، فلما بلغ