ففريق لجأوا إلى الأطراف حيث واصلوا أعمال الإغارة على طريقة أهل البادية. وهؤلاء كان ينقصهم التوجيه والاستقرار، ولم يجدوا في تلك العصور إلا العنف والتشريد من جانب السلطات الحاكمة، واستمرت حملات العنف والتشريد في العصور التالية، إلى نهاية عصر أسرة محمد علي. على أن بعض الفئات اللاجئة إلى الأطراف قد أسسوا قرى لسكناهم كما فعلوا في الشرقية. ومنهم من تولوا حماية الحجاج العابرين في طريقهم من مكة وإليها. وفريق آخر استقروا في القرى، وآثروا الاشتغال بالزرع. وهؤلاء تمثلهم البيئة المصرية. وبهذا لم تكد هذه المرحلة تنقضي حتى تمت إحدى دورات التمثل في مصر العربية، أما الدورات السابقة فقد اكتملت في مرحلتي تكافؤ القوى وما قبلها. ومن الملاحظ حين نقلب صفحات المصادر التي أرخت لأحداث العرب في مصر عقب هذه المرحلة، مرحلة الأحلاف، أن نغمة جديدة تنبعث من كتابة المؤرخين، ففي كثير من الأحيان لا يذكرون العرب بأسماء قبائلهم أو بطونهم، وإنما يقتصرون على إطلاق كلمة " عرب " أو " عربان "، وقد ينسبونهم إلى المكان الذي استوطنوه، فيقولون مثلا: عرب منفلوط، وعرب الراغة، وعرب الشرقية، وعرب البحيرة، وهذا قد يحمل الدليل على أن هذه القبائل، ومعها بقايا الأحلاف التي رغبت في الاستقرار، قد تداخلت جماعاتها، واندمجت عناصرها، وامتزج بعضها بالسكان السابقين، أو بعبارة أخرى تمثلهم البيئة المصرية، فصارت نسبتهم إلى العروبة عامة، أيسر لدى المؤرخين من نسبة كل جماعة أو أسرة منهم إلى أصل قيسي أو سبئي معين.